قام به بعضهم كان الباقون في سعة من تركه وقد ذكر أبو عبيد أن سفيان الثوري كان يقول ليس بفرض ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزى فيه بعضهم على بعض فإن كان هذا قول سفيان فإن مذهبه أنه فرض على الكفاية وهو موافق لمذهب أصحابنا الذي ذكرناه ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين وهذا لا خلاف فيه بين الأمة إذا ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حين يستبيحوا دماء المسلمين وسبى ذراريهم ولكن موضع الخلاف بينهم أنه متى كان بإزاء العدو مقاومين له ولا يخافون غلبة العدو عليهم هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار وابن شبرمة أنه جائز للإمام والمسلمين أن لا يغزوهم وأن يقعدوا عنهم وقال آخرون على الإمام والمسلمين أن يغزوهم أبدا حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية وهو مذهب أصحابنا ومن ذكرنا من السلف المقداد بن الأسود وأبو طلحة في آخرين من الصحابة والتابعين وقال حذيفة بن اليمان الإسلام ثمانية أسهم وذكر سهما منها الجهاد وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال قال معمر كان مكحول يستقبل القبلة ثم يحلف عشر أيمان أن الغزو واجب ثم يقول إن شئتم زدتكم وحدثنا جعفر قال حدثنا جعفر حدثنا أبو عبيد حدثنا عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث أو غيره عن ابن شهاب قال كتب الله الجهاد على الناس غزوا أو قعودا فمن قعد فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغنى عنه قعد وهذا مثل قول من يراه فرضا على الكفاية وجائز أن يكون قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار في أن الجهاد ليس بفرض يعنون به أنه ليس فرضه متعينا على كل أحد كالصلاة والصوم وأنه فرض على الكفاية والآيات الموجبة لفرض الجهاد كثيرة فمنها قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) فاقتضى ذلك وجوب قتالهم حتى يجيبوا إلى الإسلام وقال (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم) الآية وقال (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية وقال (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم) وقال (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)