فنعم مذكاء من ضاقت مذاهبه |
|
ونعم من هو فى سر وإعلان |
فقال إن «من» نكرة تامة تمييزا لفاعل ، نعم مستترا ، وأن الظرف متعلق بنعم والصحيح أنه متعلق بمحذوف ، والذى فيه معنى الفعل هو المصدر ، واسم المصدر،والوصف. والمؤول بالوصف ، واسم الفعل ، فالوصف يشمل اسم الفاعل كضارب ، واسم المفعول كمضروب ، والصفة المشبهة كحسن ، وصيغة المبالغة كقتال ، واسم التفضيل كأعظم.
والمؤول هو الجامد الذى أول بوصف كالمنسوب كقرشى ، فإنه فى تأويل المنتسب إلى قريش ، والمصغر نحو رجيل فإنه مؤول تحقير ، ويدخل فى المؤول قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)(١) ففى السماء متعلق بإله وكذلك فى الأرض وهو اسم غير صفة لكن لتأوله بمعبود صح التعلق.
وقد اجتمع تعلق الجار والمجرور بفعل ومصدر فى قول ابن دريد فى مقصورته :
واشتعل المبيض فى مسوده |
|
مثل اشتعال النار فى جزل الغضا |
ففى مسودة متعلق بفعل وهو اشتعل ، وفى جزل متعلق بمصدر وهو اشتعال.
والضمير فى مسوده عائد على الرأس فى البيت قبله وهو قوله :
أما ترى رأسى حاكى لونه |
|
طرة صبح تجنى أذيال الدجى (٢) |
ومثل : مفعول مطلق ، والجزل : الغليظ من الحطب ، والغضا : شجر معروف إذا وقع فيه النار يشتعل سريعا ، ويبقى زمانا : شبه بياض الشيب وانتشاره فى رأسه بانتشار النار فى الغليظ من حطب الغضا ، واجتمع أيضا تعلق الجار والمجرور بفعل واسم مفعول فى قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٣) فعليهم الأولى متعلق بفعل وهو أنعمت ومحله نصب ، وعليهم الثانى متعلق باسم مفعول وهو المغضوب ومحله رفع بالنيابة عن الفاعل.
هذه الدراسة التى أمام القارئ بكل تفضيلاتها ثمرة فكر أصحاب هذه المدرسة وهى تطلعك على فهم لروح اللغة وعمق فى التنظير ودقة فى التطبيق.
__________________
(١) سورة الزخرف آية ٨٤.
(٢) سبق أن أشرنا فى أكثر من موضع أن من خصائص هذه المدرسة إزاء النصوص التراثية أنها تنسب الشاهد وتشرحه وتكمل ما نقص وهذا المنهج استفاده الغربيون المحدثون من علمائنا.
(٣) سورة الفاتحة آية ٧.