بحث
العقوبات الجسمية والروحية :
نحن نعلم ، وطبقا لصريح القرآن ، أنّ للمعاد جانبا جسميا ، وآخر روحيا ، وعلى ذلك فمن الطبيعي أن تكون العقوبات والمثوبات متصفتين بهما كذلك ، ولذلك أشير في آيات القرآن الكريم والرّوايات الإسلامية إلى كلا القسمين ، غاية ما في الأمر أنّ انتباه الناس وإحساسهم لمّا كان منصبا على الأمور الجسمية غالبا ، لذلك يلاحظ أنّ التفصيل في العقوبات والمثوبات المادية أكثر ، لكن لا يعني هذا أن الإشارة إلى المثوبات والعقوبات المعنوية قليلة.
وقد رأينا في الآيات أعلاه نموذجا لهذا المطلب ، فمع ذكر عدّة أقسام من العقوبات الجسمية الأليمة ، هناك إشارة وجيزة عميقة المحتوى إلى الجزاء الروحي الذي سينال المستكبرين.
وتلاحظ في آيات أخرى من القرآن الإشارة إلى المثوبات الروحية أيضا ، فيقول الله تعالى في موضع : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١).
ويقول في موضع آخر : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٢).
وأخيرا يقول في موضع ثالث : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٣).
ولا يخفى أنّه لا يمكن وصف اللذائذ المعنوية غالبا وخاصّة في ذلك العالم الواسع ، ولذلك فقد أشير إليها في القرآن إشارة غامضة عادة ، أمّا العقوبات الروحية التي تكون بالتحقير والإهانة ، التوبيخ والتقريع ، والأسف والهم والحزن ، فقد وصفتها الآيات وأوضحتها ، وقد قرأنا نماذج منها في الآيات أعلاه.
* * *
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية ٧٢.
(٢) سورة يس ، الآية ٥٨.
(٣) سورة الحجر ، الآية ٤٧.