فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النسب ، فينبغي أن لا تألوا جهدا في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة!
وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم «أخوة» وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعا بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه ...
وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل «الروابط» في أمثال هذه المسائل محل «الضوابط» فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّة أخرى قائلا : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الاجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الاجتماعية بجميع أبعادها.
* * *
بحثان
الأوّل : شروط قتال أهل البغي «البغاة»
هناك باب في الفقه الإسلامي بعنوان : «قتال أهل البغي» ضمن كتاب الجهاد ، والمراد منه قتال الظلمة الذين ينهضون بوجه «الإمام العادل في المسلمين» وقد وردت فيهم أحكام كثيرة في هذا الباب ...
إلّا أنّ ما أثارته الآية الآنفة موضوع آخر ، وهو النزاع الواقع بين الطائفتين المؤمنين ، وليس في هذا النزاع نهوض بوجه إمام المسلمين العادل ولا نهوض بوجه الحكومة الإسلامية الصالحة. وقد أراد بعض الفقهاء أو المفسّرين أن يستفيدوا من هذه الآية «في المسألة السابقة» إلّا أنّ هذا الاستدلال كما يقول الفاضل «المقداد» في «كنز العرفان» خطأ بيّن (١). لأنّ القيام والنهوض بوجه الإمام
__________________
(١) كنز العرفان في فقه القرآن ، كتاب الجهاد ، باب أنواع أخر من الجهاد ـ الجزء الأول ، ص ٣٨٦.