تقول : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).
صحيح ، إنّ المتقين قد عملوا الكثير من الصالحات والحسنات ، إلّا أنّ من المسلّم أن تلك الأعمال جميعا لا تستحق كلّ هذه النعم الخالدة ، بل هي فضل من الله سبحانه ، إذ جعل كلّ هذه النعم والعطايا تحت تصرفهم ووهبهم إيّاها.
هذا إضافة إلى أنّ هؤلاء لم يكونوا قادرين على كسب كلّ هذه الحسنات ولا على فعل الحسنات لو لم يشملهم فضل الله وتوفيقه ، ولطفه ، فهو الذي منحهم العقل والعلم ، وهو الذي أرسل الأنبياء والكتب السماوية ، وهو الذي غمرهم بتوفيق الهداية والعمل.
نعم ، إنّ استغلال هذه المنح العظمى ، والوصول إلى كلّ تلك العطايا والثواب ، إنّما تمّ بفضله سبحانه إذ وهبهم إيّاها ، ولم يكن هذا الفوز العظيم ليحصل إلّا في ظل لطفه وكرمه.
* * *
بحث
ما هي الموتة الأولى؟
قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه ، أنّ أصحاب الجنة لا يذوقون إلّا الموتة الأولى ، وهنا تطرح أسئلة ثلاثة :
الأول : ما المراد من الموتة الأولى؟ فإنّ كان المراد الموت الذي تنتهي به الحياة الدنيا ، فلما تقول الآية : (لا يَذُوقُونَ)
(فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) في حين أنّهم قد ذاقوها ، وعليه يجب أن يأتي الفعل بصيغة الماضي لا المضارع؟
وللإجابة عن هذا السؤال اعتبر البعض (إلّا) في جملة (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى)
__________________
(١) احتملت عدّة احتمالات في إعراب (فضلا) : أحدها : إنّها مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : فضلهم فضلا ، والآخر : أنّه مفعول لأجله ، أو أنّها حال.