تماما ، أو أن تعبر عنها بما يعكس حقيقتها ، وكلّ ما تقدر عليه هو أن ترسم في الأذهان شبحا باهت اللون عن تلك الحقائق العظيمة.
لقد أشارت الآية ـ مورد البحث ـ إلى أنهار الماء واللبن والخمر والعسل ، إذ يمكن أن يكون الأوّل لرفع العطش ، وأمّا الثّاني كغذاء ، والثّالث يبعث النشاط والحيوية ، والرابعة يوجد القوّة واللذّة.
والطريف أنّه يستفاد من آيات القرآن الأخرى أنّ كلّ أصحاب الجنّة لا يشربون من كل هذه الأشربة ، بل أنّ لها مراتب يشرب أصحاب كلّ مرتبة من الأشربة الموجودة في درجتهم ، فنقرأ في الآية (٢٨) من سورة المطففين : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ).
٢ ـ الشراب الطهور
لا يخفى أنّ خمر الجنّة وشرابها لا علاقة له بخمر الدنيا الملوّث مطلقا ، بل هو كما يصفه القرآن في موضع آخر : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (١) ، وليس فيه إلّا العقل والنشاط واللذّة الروحية.
٣ ـ أشربة لا يعتريها الفساد
جاء في وصف أنهار الجنّة مرة أنّ ماءها (غَيْرِ آسِنٍ) ، وأخرى (لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) ، وهو يوحي بأنّ أشربه الجنّة وأطعمتها تبقى على طراوتها وجدتها ، ولم لا تكون كذلك؟ وإنّما تتغيّر الأطعمة وتفسد بفعل الميكروبات المفسدة ، ولولاها فإنّ أطعمة الدنيا تبقى هي الأخرى على حالتها الأولى ، ولما لم يكن للموجودات المفسدة مكان في الجنّة ، فإنّ كلّ أشيائها صافية ونظيفة وطرية طازجة دائما.
__________________
(١) سورة الصافات ، ٤٧.