والتنفّر من الكفر والعصيان من المواهب الإلهية العظمى على البشر إذ تقول : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١).
فعلمه وحكمته يوجبان أن يخلق فيكم عوامل الرشد والسعادة ويكملها بدعوة الأنبياء إيّاكم ويجعل عاقبتكم الوصول إلى الهدف المنشود ... «وهو الجنّة».
والظاهر أنّ الفضل والنعمة كليهما إشارة إلى حقيقة واحدة ، هي المواهب الإلهية التي يمنحها عباده ، غاية ما في الأمر أنّ «الفضل» إنّما سمّي فضلا لأنّ الله غير محتاج إليه و «النعمة» إنّما سمّيت نعمة لأنّ العباد محتاجون إليها ، فهما بمثابة الوجهين لعملة واحدة! ...
ولا شكّ أنّ علم الله بحاجة العباد وحكمته في مجال التكامل وتربية المخلوقات توجبان أن يتفضّل بهذه النعم المعنوية الكبرى على عباده (وهي محبوبية الإيمان والتنفّر من الكفر والعصيان).
* * *
ملاحظات
١ ـ هداية الله وحريّة الإرادة
إنّ الآيات الآنفة تجسيد بيّن لوجهة نظر الإسلام في مسألة «الجبر والإختيار» والهداية والإضلال ، لأنّها توضح هذه اللطيفة ـ بجلاء ـ وهي أنّ الله يهيئ المجال «والأرضية» للهداية والرشد ، فمن جهة يبعث رسوله ويجعله بين الناس وينزل القرآن الذي هو نور ومنهج هداية ؛ ومن جهة يلقي في النفوس العشق للإيمان ومحبّته ؛ والتنفّر والبراءة من الكفر والعصيان ، لكن في النهاية يوكل للإنسان أن يختار ما يشاء ويصمّم بنفسه ، ويشرع سبحانه التكاليف في هذا المجال! ...
__________________
(١) (فضلا ونعمة) نصبا على أنّهما [مفعولان لأجله] للفعل حبّب إليكم أو أنّهما مفعولان مطلقان لفعلين محذوفين وتقديرهما : هكذا أفضل فضلا وأنعم نعمة ..