وبديهي أنّه لو سالت دماء الطائفة الباغية والظالمة ـ في هذه الأثناء ـ فإثمها عليها ، أو كما يصطلح عليه إنّ دماءهم هدر ، وإن كانوا مسلمين ، لأنّ الفرض أنّ النزاع واقع بين طائفتين من المؤمنين ...
وهكذا ـ فإنّ الإسلام يمنع من الظلم وإن أدّى إلى مقاتلة الظالم ، لأنّ ثمن العدالة أغلى من دم المسلمين أيضا ، ولكن لا يكون ذلك إلّا إذا فشلت الحلول السلمية.
ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثالثة فيقول : (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ).
أي لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع ، وإلّا فإنّه بمرور الزمن ما أن يحسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع.
قال بعض المفسّرين : يستفاد من التعبير «بالعدل» أنّه لو كان حقّ مضاع بين الطائفتين أو دم مراق وما إلى ذلك ممّا يكون منشأ للنزاع فيجب إصلاحه أيضا ، وإلّا فلا يصدق عليه «إصلاح بالعدل» (١).
وحيث أنّه تميل النوازع النفسية أحيانا في بعض الجماعات عند الحكم والقضاء الى إحدى الطائفتين المتخاصمتين وتنقض «الاستقامة» عند القضاة فإنّ القرآن ينذر المسلمين في رابع تعليماته وما ينبغي عليهم فيقول : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٢).
والآية التالية تضيف ـ لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
__________________
(١) تفسير الميزان ج ١٨ ، ص ٣٤٢.
(٢) كلمة «المقسطين» مأخوذة من القسط ومعناها في الأصل التقسيم بالعدل ، وحين ترد على صيغة الفعل الثلاثي قسط على زنة ضرب تعني الظلم والتجاوز على حصّة الآخرين ظلما ، إلّا أنّه حين تأتي ثلاثي مزيد فيقال «أقسط» فإنّها تعني إعطاء الحصة عدلا ، وهل القسط والعدل بمعنى واحد أم لا؟ هناك بحث ذكرناه في ذيل الآية (٢٩) من سورة الأعراف لا بأس بمراجعتها ...