الحياة ، وان شئت فقل فوق ما يسمى بالحتميات العلمية.
فلو نظرت الى مصادر علم الاجتماع لوجدت قائمة من الحتميات الاجتماعية ، وهكذا تجد أمثالها في علم النفس والتاريخ ، ولكن قد يأتي إنسان ما فيتجاوز هذه الحتميات المدّعاة ، ويحدث في مجتمعة تغييرا يبدّل مجرى التاريخ ، ويخلق تيارا معاكسا لواقع المجتمع دون ان يخضع للمسيرة التاريخية ـ حسب نظرية ماركس ـ فبرغم انتمائه الطبقي والعائلي الا انه يصير شيئا آخر تماما ، وهذه من ميزات النور الالهي الذي ينفذ في قلوب الصادقين من عباد الله ، ويضرب لنا الله مثلا بسليمان (ع).
لقد عامل سليمان الهدهد ـ وهو طائر يعمل في خدمته ـ معاملة كريمة ، حيث لم يعاقبه ، بل منحه فرصة كي يكتشف مدى صحة ما جاء به ، فكتب رسالة وسلمها له ، وأخذها الهدهد وألقاها على عرش ملكة سبأ ، فلما بصرت بها امتلكها العجب.
فشهرة سليمان (ع) كانت قد سبقت رسالته إليها ، وكانت بلقيس على علم بما يجري في البلاد الاخرى ، وهي تدري بأن بلاد فلسطين وبلاد الشام يحكمها ملك كريم ، وعلى أثر استلامها كتاب سليمان جمعت أعضاء مجلسها الاستشاري ، والذي كان حسب قول بعض المفسرين يضم (٣١٣) رجلا ، وأخبرتهم بأنها استلمت رسالة كريمة مختومة بخاتم سليمان ، وفي داخلها أوامر حكيمة ورشيدة ، فيها دعوة للخضوع لملكه وسيطرته ، ولكنه لا يفعل ذلك من أجل فرض سيطرته وهيمنته ، ومن أجل ضمّ ملكها الى ملكه ، وإنّما لنشر راية الحق والعدالة الالهية.
ثم طلبت بلقيس من مجلسها أن يشير عليها بما يجب ان تفعله في أمر خطير كهذا ، فترك المجلس المسألة إليها ، وأبدوا استعدادا لتنفيذ كل ما تقرره وتأمر به ، فكان