القرار النهائي لبلقيس الاستسلام لسليمان ، لأنها عرفت أنه أكثر نفوذا وقوة منها ، وانها ان لم تشتر استقلال بلادها بالتعاون مع سليمان ، فانه وجنوده سيدخلونها عنوة ويؤدي ذلك الى خرابها ودمارها.
والقرآن الحكيم لا يبيّن لنا الاحداث التاريخية لمجرد العلم أو التسلية بها ، وإنما يبينها للاعتبار والاتعاظ ، كما أنّه لا يحتوي على لغو وعبث ، إذا فعلى كل جيل ان يستفيد منه بما يتناسب وقدرته للاستيعاب.
ونستفيد من القصة ان أفضل حكومة تقوم بين الناس هي الحكومة التي تجمع بين المشورة في الرأي والحزم في القرار ، ذلك لان الذي يحرك العالم أمران : العلم والارادة. فيجب على المرء ان يعرف الطريق ثم يقرر المضي فيه ، إذ قد يكون القرار خاطئا ومهلكا بدون علم ، والقرار الذي لا إرادة معه سيكون هشّا ، والسلطة يجب ان تكون مجسّدة لهذين العاملين الأساسين لحركة التاريخ.
ان الحكومات النيابية التي يضيع فيها القرار بسبب اختلاف الإفراد لا تفرز قرارات حازمة ، وأما الحكومات المستبدة فالحزم موجود في قراراتها الا انها ينقصها الرأي الصائب أو القرار العلمي ، لأن الفكر الواحد لا يستطيع استيعاب المزيد من المعارف والتجارب ، وأما الحكومات التي تبقى فيها القرارات لأعلى سلطة اي للفرد الذي يمسك زمام الأمور بيده ، ولكنه لا يتخذ القرار الا بعد ان يستشير مجموعة من الناس ، سواء كانت هذه المجموعة من الخبراء أو المستشارين أو النواب ، فانها تكون أقرب الى الصواب ، لأن هذا النوع من الحكومات يجمع بين علم المشورة وحزم القرار ، ويتضح هذا النوع من الحكومات في الآية الكريمة التي تقول : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (١)
__________________
(١) آل عمران / (١٥٩).