إذ يخاطب الله رسوله مرشدا إياه الى مشاورة المسلمين في أموره ، على أن يبقى القرار حقا خاصا به.
ونستوحي سلامة هذا النوع من الحكم من خلال قصة بلقيس حيث شاورت الملأ من قومها واستشارتهم بقولها : «افتوني» ففعلوا ولكنهم ـ بدورهم ـ خوّلوها حق القرار النهائي ، وهذه نقطة مهمة في الحكم. ان بلقيس لم تكن لتفرض عليهم سيطرتها ، بل هم الذين خولوها حق القرار ، ومن طرائف الحكم الاسلامي ولطائفه ان الناس بأنفسهم ، وبملىء إرادتهم ، وكامل حريتهم يخوّلون شخصا حق القرار النهائي ، وذلك عبر ولاية الفقيه ، فالفقيه الحاكم والقاضي وليّ أمرهم بإذن الله ، وهو منتخب من قبل الناس بطريقة الانتخابات الاسلامية ، ويخوّل حق اتخاذ القرار ، فيسلم له الناس نفسيا قبل ان يتبعوه عمليا.
وبالرغم من ان حكومة بلقيس كانت من أفضل أنواع السلطة الا انها حيث كانت بعيدة عن روح الايمان وهدى الرسالة فقد كانت منحرفة فاسدة ، فسلامة القوانين ، وصحة الانظمة ، وحتى سلامة تطبيقها لا تدل على ان البشرية تصل بها الى شاطئ السعادة والسلام ، انما القوانين بمثابة جسد يحتاج الى روح ، وروحها هدى الله ، فعلى الرغم من ان حضارة العرب في مملكة سبأ كانت جيدة ، وقوتهم كبيرة ، الا انهم فقدوا الصلة بالله ، فعبدوا الشمس من دونه ، ولأنهم فقدوا روح الايمان اضطروا للخضوع الى سلطان يملك تلك الروح الايمانية.
والفرق بين بلقيس وسليمان لم يكن سلامة الانظمة أو عدم سلامتها ، وصحة القوانين أو عدم صحتها ، انما كان في الجانب الغيبي (الايمان بالله) وحينما كانت بلقيس خلوّا من هذا الجانب اضطرت الى الخضوع لسليمان وهذا هو قانون الحياة ، فلو كان هناك حاكم يملك الجانب الايماني للقوة وهي التوكل على الله وآخر لا