جزءا منها ، ولن يسخّر البشر الطبيعة في صالحه الا بالإرادة ، والسيطرة على النفس ، والنظريات التي تغفل جانب الإرادة في الإنسان هي التي تؤمن بالحتميّات ، وتسلب الثقة من الإنسان بنفسه أمام ضغط الظروف المختلفة.
فالنظرية الماركسية تقول : إنّ الإقتصاد يدير الحياة ، وإنّ وسائل الإنتاج هي التي تصوغ المجتمع ، وتسيّر التاريخ ، وبدلا من أن يشرف الإنسان على الاقتصاد ، يشرف الاقتصاد عليه ، والنظرية الاجتماعية تقول : إنّ الوسط الاجتماعي ، والمرحلة الاجتماعية التاريخية هي التي تصوغ حياة الإنسان ، وأنّ التوافق الاجتماعي هو أقوى إحساس يدفع البشر نحو أتجاه معيّن. وهناك نظرية متطرفة في علم النفس وضعها فرويد : ترى أنّ الإنسان يخضع لشهواته الجنسية مباشرة ، أو عن ردود أفعال وإحباطات معينة ناتجة منها ، وكل هذه النظريات قد تكون صحيحة ، ولكن حينما يفقد البشر الإرادة والايمان بالله ، أمّا المؤمن فهو فوق كلّ هذه الحتميّات ، إذ يسيطر على نفسه فلا الشهوة الجنسية ، ولا المجتمع الفاسد ، ولا الإقتصاد ، أو السياسة ، أو ايّ عامل مادي آخر يستطيع إخضاعه والسيطرة عليه ، وهذا هو جوهر الإسلام الذي تؤكّده الآيات الأخيرة من هذا الدرس.
وأيّهما أفضل للإنسان أن يعبد الحجر ومثيله الإنسان ، والطبيعة التي كلّف بتسخيرها ، أو أن يعبد الله؟ فعبادة الله هي التي تتوافق مع فطرة الإنسان وعقله ، لأنّ الإيمان مغروس في البشر منذ عالم الذر ، يوم قال الله لبني آدم : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» (١) إلّا ان العوامل المختلفة وأهمها نفس الإنسان هي التي تحجب البشر عن هذه الحقيقة ، ولا سبيل له للمحافظة على عهده مع الله الا بترويض النفس والسيطرة عليها.
__________________
(١) الأعراف / (١٧٢).