يجسده ، فلأنّ فرعون خرج عن سنة الله ، وعلا في الأرض ، وعاث فيها الفساد بشتى ألوانه وصوره ، واستضعف طائفة من المجتمع فسلب حقوقهم ، لذلك كلّه فإنه هو المسؤول عن الصراع وآثاره ، وليست الحركة الرسالية. إذ لا يمكن للناس ان يسكتوا عن سلطة تضيع في ظلها حقوقهم وحرياتهم ، والذي يزرع بذور الثورة بظلمه وفساده لا يحق له بعد ذلك ان يتهم الرساليين بالإرهاب والشغب ، وهكذا تبدأ السورة بالإشارة إلى سبب الصراع وهو فرعون.
ثم يمضي السياق يبيّن سنتين في هذه الحياة : سنة يرعاها قضاء الله ، وسنة يجريها قدره سبحانه ، فقدر الله في الحياة ان السلطة التي تتمسك بأسباب القوة ، والاستمرار المادية وهي الإرهاب والإغراء والتضليل فانها تبقى وتستمر ، ولكن فوق هذه السنة سنة وقانون أعلى وهو قضاء الله ، فالعدالة الإلهية تأبى ان تستمر سلطة جائرة تعتمد على هذا الثالوث ، فيأبى الله ذلك وهو العزيز الرحيم ، الذي أجرى الأشياء بالحق ، وخلقه كل شيء لحكمة وهدف. يا ترى هل يدع الناس وهم عياله يسحقون تحت أقدام الجبابرة؟! كلا ..
ان هناك ارادة عليا يعبر عنها القرآن الحكيم في هذه السورة بصورة واضحة حين يقول : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» ولكن كيف تتم هذه الارادة؟ فهل إرادة انتصار الحق على الباطل تتحقق بحركة كونية تنطلق من النجوم؟ أو بإشاعة مرض قاتل في صفوف المستكبرين؟
ربما يتحقق ذلك عن هذا الطريق ، ولكن الأكثر أن إرادة انتصار الحق على الباطل التي هي ارادة الله لا تتحقق من خلال العوامل الغيبية فقط ، وإنما على أيدي المؤمنين أنفسهم ، وقبلهم قيادتهم وأمامهم ، لذلك نجد السياق القرآني فور ما يحدثنا عن إرادة الله العليا في الإنتصار ، يبين لنا أن هذه الإرادة لا تتحقق إلّا بتربية قائد