ومن طرائف التاريخ : ان الامام موسى الكاظم ـ عليه السّلام ـ دخل يوما على الرشيد ، فأجلّه واحترمه بصورة أدهشت الجالسين حوله ، ولما أراد الإمام أن يقوم من مجلسه ، قام الرشيد وأقبل على الأمين والمأمون قال : يا محمد ويا إبراهيم! سيروا بين يدي عمكم ، وسيدكم ، وخذوا بركابه وسووا عليه ثيابه.
فاستغرب المأمون من أبيه هذا الصنيع ، فسأله عن سبب هذا الاحترام والتقدير ، فقال الرشيد : يا بني انه صاحب الحق ، فقال له المأمون : إذا كنت تعلم ذلك فرد عليه حقه ، فنظر اليه والده وقال : الملك عقيم ، والله لو نازعتني الذي انا فيه لأخذت الذي فيه عيناك.
وهذه صورة من التاريخ عن الإنسان حينما يضحى الحكم عنده هدفا ، فهو يتشبث به حتى لو خالف العقل والشرع في وسائله للوصول اليه ، وفرق كبير بين الذي يريد الحق والآخر الذي يريد العلو والتسلط.
وفرعون كان يريد العلو ، لذلك أفسد في الأرض ، وأعظم إفساده التمييز الطائفي ، حيث جعل فريقا من الناس متسلطا على الفريق الاخر ، ويبدو أن هذه طريقة كل نظام فاسد وهو تقسيم الناس إلى فريقين ، فريق يحكم وفريق يستضعف ، وقد يكون هذا التقسيم على أساس طائفي ، أو عنصري ، أو حزبي أو غيرها ، حيث تتعدد الصور ولا يختلف الجوهر ، وهو صنع أداة للسلطة الفاسدة يتحكم بها الطاغوت على الناس.
(وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ)
إذا كانت الأمة متحدة ، فان الطاغوت لا يستطيع التسلطة عليها ، لذلك سعى فرعون لتفريق بني إسرائيل أحزابا ، عملا بالقاعدة الجهنمية (فرق تسد) التي هي