(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)
فلما ذا خرجت على أسس المجتمع وقيمه ما دمت تربيت في احضانه ، وتغذيت من أفكاره وثقافته ، ولعلنا نستوحي من هذه الآية مدى اعتماد الطغاة على عامل التربية في إفساد ضمير الناس ، وبالرغم من أهميّة هذا العامل إلا أنّ رسالات الله تتحداه ، فاذا بموسى الذي كان ينسب الى فرعون عند الناس حينا يخرج عليه ، ويهدم سلطانه ، وإذا بمؤمن آل فرعون يعيش في بلاطه ثم يثور عليه ، وإذا بزوجته آسية بنت مزاحم تكون نصيرة الحق ، وتضحي بنفسها في سبيل الله ، وإذا بأصحاب الكهف وهم وزراء طاغوت دهرهم (دقيانوس) ينقلبون الى ربهم.
ثم قال فرعون :
(وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)
وهكذا يقول الطغاة : الم نعبّد الشوارع ، ونبني المستشفيات. الم يتخرج من جامعاتنا كذا طالب ، ألم يتقدم اقتصاد بلادنا؟!
انهم يخطئون مرتين : أولا : حين يجعلون التقدم المادي دليلا على سلامة نهجهم ، بينما التقدم المادي قد يكون وليد عوامل أخرى كانبعاث آبار البترول ، أو جودة موسم الزراعة ، أو حتى جهود الناس من علماء ، ومدراء ، وتجار ، وعمال ، وفلاحين. الناس يعملون والحكام يفتخرون ، وانما فخر الحكام بإشاعة العدل ، والمحافظة على الحرية ، وتوفير فرص الكمال الروحي.
ثانيا : حين يعطون الناس أرقاما خاطئة ، ويذكرون فقط الجوانب المشرقة ، ويسكتون عن الجوانب السلبية ، ويرهبون من يتحدث عنها حتى لا تبدو فضائحهم.