لقد منّ فرعون على موسى انه سمح له بأن يعيش مستضعفا في بلاده ، وكأن القاعدة كانت تقضي بقتل موسى ، أما ان يبقي حيّا يتنفس فانها نعمة يمن بها عليه.
[١٩] وذكره بقتل القبطي ، واعتبرها جريمة كبيرة تجعل صاحبه في مصاف الكفار ، فقال :
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)
ان حكام الجور يضعون قوانين يحكمون بها سيطرتهم على الناس ، ثم يعتبرون الخروج عليها جريمة بل كفرا ـ ولعل فرعون أراد ان يعيّر موسى بأنه لم يكن يومئذ يؤمن بالله ـ ويفتشون في ملف الثائرين ليجدوا فيها ثغرة يدخلون منها عليهم ، وينسون ان بقاءهم في السلطة رغما على الناس أكبر جريمة ، وأعظم كفرا.
وقد يكون القانون سليما ، ولكن لا يحق للسلطان الجائر ان يكون منفذا له. إذ ان سلطته ليست شرعية ، وحين ينفي الثائر شرعية السلطة لا ينبغي الحديث عما يترتب عليها من الانظمة السائدة.
ولكن الطغاة يريدون تضليل الناس بذلك ، وعلى الرساليين ألّا يأبهوا بذلك أبدا ، ويعيدوا إلى أذهان الناس أصل وجود النظام ، والذي لو لم تثبت شرعيته لا يحق له تنفيذ القانون ، بل تنفيذ القانون بذاته يصبح جريمة تسجل عليه وعلى أركانه.
[٢٠] لقد قتل موسى القبطي الذي أراد سخرة الإسرائيلي ، ولعله كان يقتله ان لم يقبل بسخرته ، وبذلك كان الرجل يستحق القتل بحكم القيم الحق التي فطر الله الناس عليها ، وجاءت بها شرائع الله. أو ليس من قتل دون نفسه أو عرضه أو ما له فهو شهيد؟