ويبدو ان موسى تجاوز الحديث عن مقتل القبطي ، وركز على أمرين :
الاول : انه لم يكن كافرا بالله يومئذ (ان كان مراد فرعون بقوله : «من الكافرين». الكفر بالرب) وانما كان ضالّا بسبب فقدانه للرسالة التي هي الهدى والضياء ، فقال
(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
ان الضلال ليس كالجحود والكفر انما هو عدم الهدى وهو ليس عيبا ، وقد قال ربنا عن نبيه الأكرم محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ : «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» ولم يكن الرسول ضالا ، انما لم يكن يحمل رسالة فهداه الله إليها.
وكل أنبياء الله بشر يفقدون العلم والحكم قبل النبوة والرسالة ، وإنما يتميّزون على سائر الناس بالوحي ، وليس بعنصر إلهي يتداخل فيهم ، والقرآن حافل ببيان هذه الحقيقة تصريحا أو بالاشارة ، وقد قال سبحانه : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ).
ودليل صدقهم أساسا هو ان الوحي يحدث تحولا فجائيا فيهم ، فبينما الرسول يلبث في قومه دهرا ، لا يدعوهم الى شيء ، تراه يبعث إليهم برسالة متكاملة ، من المستحيل ان يكون قد ابتدعها من نفسه بين عشية وضحاها.
وهذا بخلاف العلماء والباحثين الذين تتكامل أفكارهم وبحوثهم يوما بعد يوم.
ولعل في قوله : «إذا» دلالة على أنّه رد التهمة أساسا ، وأجابه : انه إذا سلّم بوجود نقص عنده ـ جدلا ـ فانما هو الضلال ، وعدم الوحي.