على موسى (ع) حيّا ، وبالرغم من اختلاف الأدوار ، إلّا أنها تلتقي في نقطة واحدة هي مساهمة المرأة في الصراع.
وهذه المساهمة لا تقتصر على الأدوار الجانبية ، بل نجدها في صميم المسؤوليات الخطيرة ، فأم موسى (ع) وان كانت مؤمنة وملتزمة بالأمر الإلهي إلا أنها كأم كانت لها عواطف الأمومة ، فكيف تقبل ان تلقي بولدها ـ الذي عملت المستحيل حتى لا تصل اليه يد السلطة ـ في اليم لتبتلعه أمواجه الغاضبة ، خاصة وان المرأة مهيأة نفسيّا وجسديّا للاهتمام برضيعها بعد الولادة ، فكل اهتماماتها الفطرية وجوانب تفكيرها مركزة نحو ذلك الوليد!
وفي البين يذكرنا الذكر بأحد العوامل الأساسية لانتصار الحركات الرسالية في الصراع ، وهو عامل الكتمان والسرية في العمل الرسالي والذي يبدو بعض الأحيان الأهم في العمل ، فلو أن أمّ موسى أبدت عواطفها وباحت بسرها ، لتسببت في القضاء على الحضارة التي أسسها وليدها المبارك ، ولهذا قال الامام الصادق (ع):
«كتمان سرنا جهاد في سبيل الله» (١)
ثم تذكر الآيات بدور عامل آخر في الانتصار ، وهو عامل البحث والتحقيق ، وحسب التعبير الحديث التجسس ، فالحركة الاسلامية وان كانت حركة إلهية إلّا أن عليها التسلح بكل العوامل المشروعة التي تقرب إليها النصر ، كعامل التجسس لمعرفة خطط النظام الفاسد والواقع المحيط ، ثم تستفيد من ذلك في تحركها ، ومن هذا المنطلق أمرت أم موسى (ع) أخته ان تقص أثره ، وتتعرف على مصيره ، فمشت خلفه حتى رسى على مقربة من قصر فرعون ، فالتقطه آل فرعون ، واجتمعوا حوله
__________________
(١) بحار الأنوار / ج (٧٥) / ص (٧٠).