[١٦] لقد انتصر موسى على عدوه الا أنّ ذلك لم يدعه للاغترار بهذا النصر ، بل أراد أن يقتل الغرور الذي عادة ما يصيب المنتصرين ، وذلك عبر الاستغفار ، واتهام النفس بالتقصير ، وربما لذلك أمر الله رسوله محمد (ص) بالاستغفار بعد النصر. إذ قال : «إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً».
وهنا نجد نبي الله موسى (ع) يستغفر الله بعد انتصاره على عدو الله وعدوه.
(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
وجاء في التفاسير : ان موسى (ع) قد اخطأ فعلا بدخوله المدينة ، حيث كان لا يزال في طور الاختفاء ، لأن فرعون كان قد علم بأنه يخالفه ، وقد اجتمع اليه شيعته من بني إسرائيل فهّم بقتله ، فلما دخل المدينة على حين غفلة كان ذلك خطأ منه استغفر الله منه ، ومعنى المغفرة هنا ان يستر عليه الله سبحانه.
وقد روي مثل هذا التفسير عن الامام الرضا (ع) (٣) ونستوحي من هذا التفسير مدى أهمية الكتمان في العمل الرسالي.
[١٧] ثم عاهد الله ان لا يستخدم القوة والعلم والحكمة التي وهبها الا من أجل الخير وفي سبيل الله والدفاع عن المستضعفين.
(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)
وكانت هذه الحادثة بالإضافة إلى مواقف أخرى سبقتها ، أدّت بموسى الى الهجرة عن بلده ، لتبدأ الحركة الرسالية مرحلة جديدة من الصراع والجهاد.
__________________
(٣) راجع نور الثقلين ج (٤) ص (١١٩).