جاءته احدى الامرأتين اللتين سقى لهما ، وهي تدعوه الى بيتهم حتى يجزيه أبوها أجر السقاية ، وتتابعت عليه بركات الرب ، حيث أضحى واحدا من هذا البيت بعد ان كان غريبا في مدين ، ومستقرّا بعد ان كان من دون مأوى ، ونقرأ بين السطور دروسا إلهيّة مهمّة حول أخلاقيات المهاجر الرسالي.
وتتجلى الرحمة الإلهية مرة أخرى وبصورة أعظم حينما يرجع موسى بأهله الى وطنه والمشاكل تحوطه من كل جانب ، فالليل حالك الظلمة ، والبرد قارص ، وزوجته حامل ، وهم يسيرون في مفازة شاسعة ، دون معرفة بمعالم الطريق ، وفي الأثناء تموت مواشيه ، وهو لا يعرف إذا يصنع ، وإذا بيد الغيب تمتد اليه لا لكي تستنقذ موسى فقط ، وانما لكي تستنقذ معه بني إسرائيل أيضا.
في بادئ الأمر لما رأى موسى النار لم يكن في خلده سوى الاستفادة من جذوتها للتدفئة ، وممن حولها الاهتداء الى الطريق ، ولكن ما إن بلغها حتى سمع النداء : «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» وحينها انسلخ من كل الانتماءات المادية ، ونسي كل الهموم والآلام ، وتوجه الى ربه بكل عقله وعواطفه ، وهنا تتجلى عظمة الأنبياء ، فاذا بموسى (ع) لا يخلع نعليه وحسب ، بل يخلع كل انتماءات الأرض والتراب عن نفسه ، ويأتيه الوحي من طور سيناء ، دون ان يلتفت الى زوجته الحامل ، ولا مواشيه التي هلكت والتي كانت حصيلة عشر سنوات من العمل.
بينات من الآيات :
اخلاقيات المهاجر :
[٢٥] المهاجر باعتباره غريبا عن بلد الهجرة ، يجب ان يكون متساميا في الأدب ، لأنه لا يعرف البلد ، ولا يعرف خصائصه الاجتماعية ، وربما يوجد فيه من