ويبدو أن الهدف الأسمى من هذه البصائر التي تجلو بها الأفئدة الزّاكية بناء المؤمن الصابر الذي يتحدى كالجبل الأشم عواصف الفتن.
لقد شاهدنا عبر الطواسين التي سبقت سورة العنكبوت ، كيف جاهد رسل الله الأمم الفاسدة. وينبغي أن يسير على هداهم الصالحون الذين يجاهدون الفساد ، ويصبرون على الأذى ، وينتظرون نصر ربهم ، وهو كما يبدو موضوع هذه السورة.
من أجل تحقيق هذا الهدف التربوي المتسامي لا بد أن يعرف المجاهد حقيقة الدنيا ، وحكمة فتنها ، وضرورتها ، وأن الذين يرتكبون السيئات لا يسبقون ربهم ـ هذا ما نجده في الآيات الثلاث الأولى ـ ويعرف ان مدة الفتنة محدودة إلى أجل مسمّى ، حين يلقى المجاهد ربه ليوفيه جزاءه.
أما الضغوط فتأتي من الوالدين اللذين قد يجاهداه على الشرك ، وقد تأتي من المجتمع الفاسد الذي يريد أن يفتنه ، وقد تأتي من السلطة الفاسدة التي مهما كانت فتنتها شديدة فانها أخف من عذاب الله.
ويعود القرآن يذكرنا بقصص نوح وإبراهيم ولوط وسائر الأنبياء العظام ـ عليهم السلام ـ وكيف جاهدوا رفض الفاسدين من أممهم ، وان الله أهلك أولئك الفاسدين ، ونصر عباده المخلصين. كل ذلك يذكرنا به الرب لعلنا نتخذه قدوة ، ونعرف أن سنن الصراع كانت جارية عند المقربين الى الله سبحانه ، وهم الذين اختارهم الله على علم ، فكيف بنا ولمّا يعلم المجاهدون منا والصابرون.
وعبر قصة إبراهيم والحوار الذي جرى بينه وبين قومه المشركين يذكرنا الرب بزيف الأوثان ، وانها تعبير عن العلاقات الاجتماعية الباطلة التي يتجلى زيفها في الآخرة ، حيث أن الكفار الذين اتخذوا الأوثان محور تجمعهم يلعن بعضهم بعضا.