عديدة ، فالفتنة إذا تساوي بمحدوديتها العذاب بدوامه واستمراره ، وقد ورد في الدعاء :
«يا رب وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها ، وما يجري فيها من المكاره على أهلها ، على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه ، يسير بقاؤه ، قصير مدته ، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة؟! وجليل وقوع المكاره فيها؟! وهو بلاء تطول مدته ، ويدوم مقامه ، ولا يخفف عن أهله ، لأنه لا يكون إلّا عن غضبك وانتقامك وسخطك» (١)
وتشير الآيات القرآنية بعد ذلك إلى الأخطاء المنتشرة في المجتمع ، ولكنها قبلئذ تذكر بأن الأفكار الخاطئة تشبه الجرائم الخطيرة التي إذا تكاثرت على قلب الإنسان حجبته عن الخير ، وقضت على كلّ أثر للسلامة عنده «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ومثل على هذه الأفكار أن يقول إنسان لآخر : اعمل ما آمرك به وأنا المسؤول عن ذلك غدا عند الله. إن هذا القول لا ينفي مسئولية المنفذ ، إذ أن من يتّبع إنسانا مفسدا فانه لا يستطيع الادعاء بأنه بريء ، ولا شك ان المتبوع مسئول عند الله سبحانه ، ذلك لأن الإنسان يتحمل تبعة تضليل الآخرين فيعاقب عليها ، دون أن يسقط عنهم العقاب.
وحين يبين القرآن الكريم هذه الحقيقة فلكي نتجنب الأفكار التبريرية التي تحول بين الإنسان ورؤيته للحقيقة ، والتي تجعل الفكر مقيدا بحدود ضيقة ، لا يرى خلالها الواقع كما هو.
بدلا من تبني هذه الأفكار الخاطئة أو اعتناقها ، فان على الإنسان أن ينفتح على الحياة ، ويرى الحقائق ببصيرة ثاقبة دون حجب ، وينزع عن عينيه تلك النظارات القاتمة.
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء كميل.