ثانيا : معرفة أحوال الأمم السابقة ، وكيفية نشوئها وتطورها ، والأدوات التي استخدموها ، لا يتم الا بدراسة الآثار التي تحمل مخلفاتهم ، ومطالعة كتاباتهم ، ونوع تفكيرهم وفنونهم ، عبر النقوش على الصخور والكهوف ، وبتلك الدراسة المستوفاة ، نستطيع التعرف على الأمم السابقة ، وكيف تقدمت ولماذا بادت.
ثالثا : ان الحياة لم تكن على وتيرة واحدة ، وانما منح ربنا سبحانه الحياة الكمال شيئا فشيئا ، وخلقا بعد خلق ، وليس الأمر كما يقول الجاهلون بأن الطبيعة كانت شعلة متوهجة منذ البداية ، وستبقى هكذا الى النهاية ، ولو كانت شعلة منذ الأزل لانتفى الكمال ، ذلك لان فلسفة الكمال تتخلص في : ان المسيرة ابتدأت من وضع غاية في البساطة ، ثم راحت تتصاعد في مدارج الكمال عبر ملايين السنين ، حتى وصلت الى ما نحن عليه الآن ، وستواصل المسيرة في المستقبل الى ان تصل القمة التي شاءها الله ، فيأذن بأمره.
والعلم الحديث قد توصل الى هذه النتيجة بدليل علمي وهو قدرة العلماء على اكتشاف عمر الإنسان من الحفريات والآثار التي يعثرون عليها ، عن طريق التحليل الطيفي لذرة الكربون الموجودة في الكائنات العضوية ـ الحيوان والنبات ـ وكلما مرّ قرن من الزمان على ذرة الكربون زاد في عدد نيوتروناتها واحد ، وبقدر ما في الذرة من نيوترونات يعرفون عدد القرون التي مرت على هذه الذرة ، وبالتالي يعرف عمر الجمجمة مثلا بعد معرفة عدد السنين التي مرت على هذه الذرة ، وان دل هذا الاكتشاف على شيء فانما يحمل دلالة على ان الإنسان كانت له بداية وكذلك كل الخلائق ، والسير في الأرض هو من أجل معرفة تلك البداية ، وإذا كان الله سبحانه هو الذي أوجد الإنسان في البدء ولم يكن شيئا مذكورا ، أو ليس بقادر على أن يعيده مرة أخرى؟! ولا يستطيع أحد ان يقول ان الله ليس بقادر لأن ابتداع الخلق من بعد العدم أصعب بذاته من إعادته ، بعد ان كان ـ وبالطبع ـ ليس