لإنزال أقسى العقوبات بموسى وأخيه ، والتنكيل ببني إسرائيل ، وخنق كل صوت للمعارضة ، وتمثل السحرة أمام فرعون يطلبون أجرا. أو ليسوا قد سخروا طوال الفترة للعمل في البلاط بلا أجر ، أو لم يكن عمل السخرة شائعا في عهد فرعون. أو لم تنتشر على أطراف أهرامات مصر التي بناها الفراعنة قبور المحرومين على امتداد أميال ، من أولئك الذين كان يجمعهم النظام من أطراف مصر ليبنوا مقابر لأركانه ، وليعلو بذلك مجده ، ثم يسخرهم بلا أجر في ظروف قاسية ، فاذا ماتوا أهال عليهم حفنة من التراب وجاء بغيرهم؟! آه كم استخف الظالمون بأرواح البشر ، والى اليوم ، والى متى؟!
كلّا .. هذه المرة نطالبه بأجر. فرعون هذا اليوم يختلف عنه بالأمس ، انه مضطرب. دعنا نستغل ذلك لمطالبته بأجر على الأقلّ.
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ)
فاذا كان الأمر كذلك فسوف نبذل المزيد من الجهد للغلبة.
لقد اهتز ضميرهم منذ اللحظة الأولى التي واجهوا فيها موسى.
فمن هذا الراعي الذي جاء بعصاه يتحدى أكبر طاغوت ، وأعظم امبراطور ، ولماذا عجز فرعون عن التنكيل به كما ينكل بألوف الناس من بني قومه؟!
وجاء في تفسير علي ابن إبراهيم : «ان السحرة حين بصروا بموسى ، رأوه ينظر إلى السماء ، قالوا لفرعون : انا نرى رجلا ينظر الى السماء ، ولن يبلغ سحرنا الى السماء». (٢)
__________________
(٢) تفسير نور الثقلين / ج (٤) / ص (٥١).