ولعلّ في كلمة «إِذا دَعانِ» إشارة الى هذه الحقيقة ، كما نجد تصريحا بذلك في قوله «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي» .
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)
لماذا اعتبر الدعاء عبادة؟ وأوعد الله على تركه النار؟ لكي نعرف الإجابة : دعنا نتساءل : ماذا كان محور الخلاف الأصلي بين الموحّدين والمشركين؟ هل كان في وجود الله؟ كلا ، هل كان في أسماء الله التي تتعلّق حسب المصطلح بذاته سبحانه؟ كلّا ، بل إنّ المشركين كانوا يعترفون بالله هو الخالق ، وقد قال ربّنا : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (١)
إنّما جوهر الخلاف ومحوره الأصيل في كلمة : إنّ الموحّدين يقولون : إنّ الله هو المهيمن المدبّر لأمور الله ، فهو القابض الباسط ، المحيي المميت ، المعزّ المذل ، وهو الذي يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويدبّر الأمر ساعة بساعة ولحظة بلحظة ، بينما كان يرى المشركون عوامل حتميّة أخرى غير مشيئة الله في تدبير شؤون الخليقة ، فيتوجّهون الى تلك العوامل من دون الله.
على أنّ المشركين قلوبهم شتّى ، وآراؤهم في ذلك مختلفة ، إلّا أنّ أبعدها ضلالة ما قالته اليهود بأنّ يد الله مغلولة ، اتباعا لفلاسفة اليونان حيث زعموا بأنّ الله قد فرغ من أمر الخلق واستراح ولا يمكن له التأثير في الخلق أبدا.
وتتناقض رسالات الله عن فلاسفة البشر في هذا المحور ، حيث بشّرت البشرية بأنّ ربّهم قريب منهم ، يهيمن على حياتهم ، ويسمع نداءهم ، ويستجيب دعاءهم ، وتوضّحت هذه البصيرة الإلهية عبر آيات الذكر ، وفي تفسير أهل بيت النبي (ص)
__________________
(١) الزخرف / ٩.