كيف يعكس هذه المقاييس العقلية على أجهزة وأدوات وقوانين وتشريعات يقيس بها الأشياء ، وأمر في كتابه الناس الى الالتزام بما تعارفوا عليه بعقولهم.
وإنّما بعث الرسل ليوقظوا العقل من سباته ، ويفكّوه من أغلاله ، ويفتحوا عن عقول الناس أقفالها ، ويرفعوا حجبها.
وحين توافق الكتاب والميزان ، عرف الناس بما لديهم من ميزان إلهي (وهو العقل) صدق الرسالة ، وعلموا بهداية عقولهم أنّ دعوة الرسل صادقة ، لأنّها تتناغم وما يجدونه بنور عقولهم.
والرسل عليهم السلام وأوصياؤهم الصادقون يمثّلون بحق هذا الميزان في الشؤون الحياتية ، لأنّهم يهدون بالحق ، ويسعون الى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويخالفون أهواءهم ، ويلتزمون بدقة متناهية بالأحكام التي يأمرون الناس بها ، فهم الميزان الصادق بين الحق والباطل ، وهم القضاء العدول بين الناس ، وهم القسطاس المستقيم في المعارف الإلهية.
ومن هنا قال بعض المفسرين : إنّ المراد بالميزان النبي محمد (ص) (١) .
ولعلّ التفسير الشائع بين المفسرين يعود الى هذا المعنى حيث قالوا أنّ الميزان هو العدل ، إلّا أنّهم لم يذكروا كيف يقام العدل. أو ليس بحاكم عادل يأمر الله باتّباعه ، والتحاكم إليه ، والتسليم لقضائه ، كما قال سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢)
__________________
(١) فتح القدير / ج (٤) ص (٥٣١) .
(٢) النساء / (٦٥) .