أنى ذهبت وأيّ شخص سألت فسوف تجد ذات المقاييس العقلية عنده ، والتي يؤمن بها جميع البشر ، وهي الحجة القائمة بينهم ، الصدق والشجاعة والوفاء والإيثار والعدل والعفو والإحسان إنّها فضائل لا يختلف فيها الناس .. وذلك هو الميزان الذي أنزله الله للناس ليقوموا بالقسط ، وبهذه المقاييس الثابتة يختار الناس إمامهم العادل ليطبّق العدالة بينهم ، ففي حوار مفصّل بين ابن السكّيت (إمام اللغة المعروف) وبين الإمام الرضا (ع) يسأل ابن السكّيت : فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال الرضا (ع) : «العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه ، والكاذب على الله فتكذّبه» ، فقال ابن السكّيت : هذا هو والله الجواب (١) .
ولكن تبقى مشكلة البشر الغفلة وعصيان ما تأمر به العقول ، ولعلاج هذه الحالة لا بد من إيقاظ العقل بالإنذار .. وهكذا ذكّر السياق بالساعة بعد ما بيّن الميزان ، لأنّ تذكّر الساعة حيث يفصل الله بين عباده ، وحيث أخّر الله الموازين القسط إليها ، يهزّ أعماق البشر.
وأعظم ما في الساعة إخفاؤها. متى تقوم الساعة؟ ومتى تقوم قيامة كلّ واحد منّا بالموت الذي لا يفصله عن الساعة شيء؟ ألا ترى كيف يتساءل الناس في يوم البعث : كم لبثتم؟ فإذا بهم يقولون : يوما أو بعض يوم ، وهم قد لبثوا الى يوم البعث؟!
وما دام يوم البعث خفيّا عنا فلا بد من الاجتهاد أبدا.
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)
وكفى بالموت الذي يزور البشر في أيّة لحظة واعظا ، وهذا من أهمّ أهداف ستر
__________________
(١) المصدر / ص (١٠٥) .