يستطيع الهرب من يد العدالة ، ولكن هل يتمكّن من مثل ذلك في الآخرة؟ كلا .. لأنّ اعتقادات الإنسان وأقواله وأعماله كلّها تظهر يومئذ ولا تخفى منها خافية أبدا كما يقول تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) كبيرة كانت أو صغيرة ، وكيف يكون ذلك وقد أوكل الله بكل واحد ملائكة يكتبون له وعليه كل ما يصدر منه ، وهو من ورائهم رقيب؟!
وحينئذ يرتسم في الأفق سؤال عريض ربما ينطق به كلّ شيء ، لأنّه سؤال الساحة الذي يقتضيه الحال ، وقد ينادي به مناد من عند الله ، السؤال هو :
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)
والإجابة يحكيها لسان الواقع ، وهي التي وردت في فاتحة الكتاب التي وصفت الله بأنه (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وهنا أيضا يقول القرآن مجيبا على النداء أو السؤال المفترض :
(لِلَّهِ الْواحِدِ)
فلا يشاركه أحد في الملك والحكم.
(الْقَهَّارِ)
والقهار هو أبرز سمات الانفراد بالملك ، حيث لا شيء يعجز الله ويقهره ، ولا أحد ينازعه على الملك إلّا وقصمه ، وملك الله ليس محدودا بالآخرة وحسب ، فهو الملك في الدنيا أيضا ، ولكنّ الكفّار يعمون ويصدون عن هذه الحقيقة بعنادهم وبفقدانهم للبصيرة الهادية حيث رفضوا رسالات الله ، أمّا المؤمنون فهم يعرفون هذه الحقيقة بعمق ، لهذا يسلمون لله ولمن يختاره راضين طائعين.