أي أفكاركم وثقافتكم ، وكلّ أفكار يلتزم بها الناس فهي دينهم ، وتبدّل ثقافة الناس من ثقافة التخلف والقابلية بالطاغوت الى ثقافة ثورية حضارية من أشد الأمور خطورة على الطواغيت ، فهم يخافون من حدوث ذلك كما صرّح فرعون بنفسه.
أو ليس النظام الطاغوتي هو إفراز لثقافة المجتمع ، وبقاؤه يعتمد على سكوته؟ إذن فأيّ تغيير إيجابي في هذه الثقافة يعني تغيّر النظام الحاكم أيضا.
وحيث أحسّ فرعون بخطورة الحركة الرسالية سعى بالإضافة الى ضغطة على تيّارها الاجتماعي ومؤيديها لفصلهم عنها ، وقراره بقتل قائدها ، سعى الى إثارة الناس ضدها عن طريق الإيحاء لهم بأنّها تحارب دينهم وما التزموا به هم وآباؤهم ، هذا فيما إذا سكت فرعون ، أمّا إذا عارض موسى فسوف تقع الفتنة بين الناس ، وتسبّب في قتل الناس وتدمير اقتصادهم ، هكذا صوّر فرعون لقومه وقال :
(أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ)
وهاتان التهمتان هما في عرف السياسيين اليوم أخطر ما يمكن توجيهه للمعارضة وخاصة في البلاد الديكتاتورية ، والقرآن يختصر بهذه العبارات الموجزة موقف الطغاة من الحركات التغييرية في كلّ مكان وزمان.
[٢٧] أمّا موسى (ع) فهو في الوقت الذي تحدّى هذا الغرور والعنجهية الفرعونية ، لم يعتمد على ذاته ، ولا على منطق القوة ، إنّما اعتمد وكسائر الأنبياء والربّانيين على قوة ربّه وقوة الحق الذي يؤمن به ويجاهد من أجله.
(وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ)