والتكبّر والكفر بيوم الحساب ، هاتان الصفتان تنتهيان الى شيء واحد ، هو ضياع المقاييس عند الإنسان ، فإذا به يعتقد بأنّ ما تشتهيه نفسه هو الحق ، فبتكبره لا يخضع للحق ، وبكفره بالجزاء لا يتحسّس المسؤولية ، ولمقاومة شرّ هذا النوع من الرجال لا بدّ من الاستعاذة بالله ، أوّلا : للاستقامة أمام إغرائهم وإرهابهم ، وثانيا : للاستلهام من الوحي سبل مقاومتهم.
[٢٨] وينعطف السياق القرآني ليكشف جانبا من الصراع الداخلي الذي يدور في صفوف الطاغوت ، حيث الموقف الرسالي الحاسم لمؤمن آل فرعون من النظام الفاسد ، والذي يكشف ظهوره في هذا الموقع من الصراع عن مدى تغلغل الحركة الرسالية في الأجهزة الفرعونية ، كما يعكس محتوى الاستعاذة بالله وكيف أنّ ربّنا ينصر رسله برجال ادخرهم لمثل ذلك.
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ)
وهو حزقيل الذي بقي إيمانه طيّ الكتمان دهرا طويلا حسب بعض الأخبار ، وإن دلّ هذا الأمر على شيء فإنّما يدلّ على أنّ أساليب النضال ليست واحدة ، بل ينبغي لكلّ مناضل أن يتحرّك في جهاده من الخندق المناسب ، وإذا كانت خنادق الجهاد تختلف ـ كما صوره ـ من شخص لشخص ومن ظرف لآخر فإنّ الهدف يبقى واحدا والمحتوى هو المحتوى ، بينما يقتضي الأمر الإلهي أن يفجّر موسى (ع) صراعا صريحا مع الطاغوت ، ويتساقط أتباعه من بني إسرائيل كأوراق الخريف بعاصفة الإرهاب ، نجد هذا المؤمن المجاهد يحتفظ بمركزه في بيت فرعون ، ليقوم بدور أساسي في هدم نظامه.
فبينما كان الطاغوت جالسا يتباحث أمر موسى (ع) مع خاصته ليكيدوا به ويقتلوه ، والكل يزعم بأن لا غريب بينهم ، وإذا بالمؤمن ينهي فترة الصمت