القوم فإذا ريح الله وجنوده يفعل بهم ما يفعل ، ما يستمسك لهم بناء ولا تثبت لهم نار ولا تطمئن لهم قدر ، فإنّي لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحاله ثم قال : يا معشر قريش لينظر أحدكم من جليسه ، قال حذيفة : فبدأت بالذي عن يميني فقلت : من أنت؟ قال : أنا فلان ، ثم عاد أبو سفيان براحليه فقال : يا معشر قريش! والله ما أنتم بدار مقام ، هلك الخفّ والحافر ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء ، ثم عجل فركب راحلته وإنّها لمعقولة ما حلّ عقالها إلّا بعد ما ركبها. قال : قلت في نفسي : لو رميت عدوّ الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا ، فوقرت قوسي ، ثم وضعت السهم في كبد القوس ، وأنا أريد أن أرميه فأقتله ، فذكرت قول رسول الله (ص) : «لا تحدثنّ شيئا حتى ترجع» ، قال : فحططت القوس ثم رجعت الى رسول الله (ص) وهو يصلّي فلّما سمع حسي فرّج بين رجليه فدخلت تحته ، وأرسل على طائفة من مرطة (يعني الكساء ، ولعلّ الرسول كان يريد أن يخفيه حتى عن المسلمين ليبقى مجهولا في تحرّكه) فركع وسجد ، ثم قال : ما الخبر؟ فأخبرته (١)
ولا ريب أنّ الدور الذي مارسه مؤمن آل فرعون (حزقيل) لم يكن بعيدا عن قرار القيادة الرسالية المتمثلة يومئذ في شخص موسى (ع) فقد بقي إيمانه طيّ الكتمان مدّة طويلة ، كان خلالها حذرا قويّ المراوغة ، فلم يفتضح أمره أبدا ، وكان ثابت العقيدة ، راسخ الإيمان ، فلم تغيّر المناصب ولا المغريات من موقفه ، وهو مع ذلك لم يعتبر الكتمان هدفا في حركته ، إنّما اعتبره وسيلة لهدف ، لهذا فجّر صراعه مع الطاغوت حيث كانت الظروف مناسبة للإعلان عن موقفه الواقعي ، وذلك حينما دافع عن موسى (ع) وعارض الطغيان الذي مارسه فرعون ونظامه الى حد رفض الآراء المعارضة ومواجهتها بالقتل والإرهاب ، قائلا : بأنّ الموقف السليم تجاه آراء
__________________
(١) مجمع البيان / ج ٧ ـ ٨ ص ٢٤٤ ـ ٣٤٥.