ومات عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان ولما حضرت عبيد الله بن أبي بكرة الوفاة استخلف ابنه أبا برذعة ، ثم كتب الحجاج إلى المهلب بن أبي صفرة (١) بولاية سجستان مع خراسان ، فولى المهلب سجستان وكيع بن بكر بن وائل الأزدي ، ثم ولى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي ، وأشار الناس عليه أن لا يفعل فلم يقبل فعصى وخالف على الحجاج وسار إليه فحاربه ، ثم رجع إلى سجستان منهزما ، وكتب الحجاج إلى رتبيل ملك في أخذ عبد الرحمن وحمله إليه فأخذه وأوثقه وحمله مع رسل الحجاج فطرح عبد الرحمن نفسه من سطح كان عليه فاندقّت عنقه ومات برخّج.
__________________
ـ ٤٠ ه / ٦٦٠ م ونشأ في الطائف بالحجاز ، وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان ، فكان في عديد شرطته ، ثم ما زال يظهر حتى قلّده عبد الملك أمر عسكره ، وأمره بقتال عبد الله بن الزبير ، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل عبد الله وفرّق جموعه ، فولاه عبد الملك مكة ، والمدينة ، والطائف ، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه ، فانصرف إلى بغداد في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب ، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة ، وبنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة ، وكان سفاكا باتفاق معظم المؤرّخين ، قال عبد بن سوذب : ما رؤي مثل الحجاج لمن أطاعه ولا مثله لمن عصاه ، وقال أبو عمرو بن العلاء : ما رأيت أحدا أفصح من الحسن البصري والحجّاج ، وقال ياقوت في معجم البلدان : ذكر الحجّاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء ، فغضب وقال : إنما تذكرون المساوئ! أو ما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه «لا إله إلّا الله محمد رسول الله» ، وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام ، وأوّل من اتّخذ المحامل ، وأن امرأة من المسلمين سبيت في الهند فنادت يا حجاجاه ، فاتصل به ذلك فجعل يقول : لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى أنقذ المرأة ، واتخذ المناظر بينه وبين قزوين فكان إذا دخن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا ، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم ، فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط ، وأصبحت قزوين ثغرا حينئذ ، وأخبار الحجّاج كثيرة ، مات بواسط سنة ٩٥ ه / ٧١٤ م ، وأجري على قبره الماء ، فاندرس.
(١) المهلّب بن أبي صفرة ظالم بن سراق الأزدي العتكي ، أبو سعيد ، أمير ، بطاش ، جواد ، قال فيه عبد الله بن الزبير : هذا سيد أهل العراق ، ولد سنة ٧ ه / ٦٢٨ م في دبا ، ونشأ بالبصرة ، وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر ، وولي إمارة البصرة لمصعب بن الزبير ، وفقئت عينه بسمرقند ، وانتدب لقتال الأزارقة ، وكانوا قد غلبوا على البلاد ، وشرط له أن كلّ بلد يجليهم عنه يكون له التصرّف في خراجه تلك السنة ، فأقام يحاربهم تسعة عشر عاما لقي فيها منهم الأهوال ، وأخيرا تمّ له الظفر بهم ، فقتل كثيرين وشرّد بقيّتهم في البلاد ، ثم ولّاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان ، فقدمها سنة ٧٩ ه ، ومات فيها سنة ٨٣ ه / ٧٠٢ م ، كان شعاره في الحرب : «حم لا ينصرون» ، وهو أول من اتّخذ الركب من الحديد ، وكانت قبل ذلك تعمل من الخشب.