واختطت العرب في هاتين المدينتين خططها إلا أن القوم جميعا قد انتقل وجوههم وجلتهم ومياسير تجارهم (١) إلى بغداد.
ولم ينزل بنو أمية العراق لأنهم كانوا نزولا بالشام ، وكان معاوية بن أبي سفيان (٢) عامل الشام لعمر بن الخطاب ، ثم لعثمان بن عفان (٣) عشرين سنة ، وكان ينزل مدينة
__________________
(١) مياسير تجارهم : التجار الأغنياء الموسرين.
(٢) معاوية بن «أبي سفيان» صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، القرشي الأموي المولود سنة ٢٠ ق. ه / ٦٠٣ م ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، أحد دهاة العرب المتميزين الكبار. كان فصيحا حليما وقورا. ولد بمكة ، وأسلم يوم فتحها سنة ٨ ه ، وتعلّم الكتابة والحساب فجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عداد كتّابه ، ولما ولي أبو بكر ولّاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان ، فكان على مقدمته في فتح مدينة صيداء ، وعرقة ، وجبيل ، وبيروت. ولما ولي عمر جعله واليا على الأردن ، ورأى فيه حزما وعلما فولّاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) وجاء عثمان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. قتل عثمان فولي علي بن أبي طالب فوجّه لفوره بعزل معاوية ، علم معاوية بالأمر قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتّهم علي بن أبي طالب بدمه ، ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام ، وإمامة علي بن أبي طالب في العراق ، ثم قتل علي بن أبي طالب وبويع بعده ابنه الحسن بن علي بن أبي طالب ، فسلّم الخلافة إلى معاوية سنة ٤١ ه. ودامت لمعاوية الخلافة إلى أن بلغ سنّ الشيخوخة ، فعهد بها إلى ابنه يزيد ومات في دمشق سنة ٦٠ ه / ٦٨٠ م ، له ١٣٠ حديثا. وهو أحد الفاتحين في الإسلام.
(٣) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، من قريش ، أمير المؤمنين ، ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين. من كبار الرجال الذين اعتز بهم الإسلام في عهد ظهوره. ولد بمكة سنة ٤٧ ق. ه / ٥٧٧ م ، وأسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنيا شريفا في الجاهلية. ومن أعظم أعماله في الإسلام تجهيزه نصف جيش العسرة بماله ، فبذل ثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها وتبرع بألف دينار ، وصارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة ٢٣ ه ، فافتتحت في أيامه أرمينية ، والقوقاز ، وخراسان ، وكرمان ، وسجستان ، وإفريقيا ، وقبرس ، وأتمّ جمع القرآن ، وكان أبو بكر قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس ، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر وأمر بالنسخ عنه وأحرق كلّ ما عداه. وهو أول من زاد في المسجد الحرام ومسجد الرسول ، وقدم الخطبة في العيد على الصلاة ، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة ، واتخذ الشرطة وأمر بكل أرض جلا عنها أهلها أن يستعمرها العرب المسلمون وتكون لهم. واتخذ دارا للقضاء بين الناس ، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد ، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ١٤٦ حديثا. نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أميّة بالولايات والأعمال ، فجاءته الوفود من الكوفة ، والبصرة ، ومصر ، فطلبوا منه عزل أقاربه ، فامتنع ، فحصروه في داره يراودونه على أن يخلع نفسه ، فلم يفعل ، ـ