دمشق وأهله معه ، فلمّا غلب على الأمر وصار إليه السلطان (١) جعل منزله وداره دمشق التي بها كان سلطانه ، وأنصاره ، وشيعته.
ثم نزل بها ملوك بني أمية بعد معاوية لأنهم بها نشأوا لا يعرفون غيرها ، ولا يميل إليهم إلا أهلها ، فلمّا أفضت الخلافة إلى بني عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ولد العباس بن عبد المطلب (٢) عرفوا بحسن تمييزهم ، وصحة عقولهم ، وكمال آرائهم فضل العراق ، وجلالتها ، وسعتها ، ووسطها للدنيا ، وأنها ليست كالشام الوبيئة الهواء ، الضيقة المنازل ، الحزنة الأرض ، المتصلة الطواعين ، الجافية الأهل.
ولا كمصر المتغيرة الهواء ، الكثيرة الوباء ، التي إنّما هي بين بحر رطب عفن (٣) كثير البخارات الرديئة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء ، وبين الجبل اليابس (٤) الصلد الذي ليبسه ، وملوحته ، وفساده لا ينبت فيه خضر ولا ينفجر منه عين ماء.
ولا كأفريقية (٥) البعيدة عن جزيرة الإسلام وعن بيت الله الحرام ، الجافية الأهل ، الكثيرة العدو.
__________________
ـ فحاصروه أربعين يوما ، وتسوّر عليه بعضهم الجدار فقتلوه صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة. ولقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي النبي صلّى الله عليه وسلّم رقية ثم أم كلثوم.
(١) السلطان : الحكم.
(٢) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، ولد سنة ٥١ ق. ه / ٥٧٣ م ، وجد الخلفاء العباسيين ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وصفه : «أجود قريش كفّار وأوصلها ، هذا بقيّة آبائي» وهو عمه ، كان محسنا لقومه ، سديد الرأي ، واسع العقل ، ومولعا بإعتاق العبيد ، كارها للرق ، اشترى ٧٠ عبدا وأعتقهم. كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام (وهي أن لا يدع أحدا يسب أحدا في المسجد ولا يقول فيه هجرا). أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبار المشركين ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد وقعة «حنين» فكان ممن ثبت حين انهزم الناس.
وشهد فتح مكة ، وعمي في آخر عمره ، وكان إذا مرّ بعمر أيام خلافته ترجّل عمر إجلالا له ، وكذلك عثمان. أحصي ولده في سنة ٢٠٠ ه ، فبلغوا ٣٣٠٠٠ ، وكانت وفاته في المدينة سنة ٣٢ ه / ٦٥٣ م عن عشرة أولاد ذكور سوى الإناث وله في كتب الحديث ٣٥ حديثا.
(٣) لعله البحر الأحمر.
(٤) لعله جبل المقطّم.
(٥) إفريقيا : وهي القارة المعروفة اليوم وهي بعيدة عن الجزيرة العربية معظم سكانها من السودان وكان فيها البربر وكانوا على عداء مع العرب. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٧٠).