وأما أتابكية الموصل : فقد أسسها عماد الدين زنكي أحد ولاة السّلاجقة المقربين ممن تولوا أرفع المناصب في هذه الدولة ، ففي سنة ٥٢١ صدر قرار من السلطان السّلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه بإقطاع عماد الدين الموصل ، وسائر البلاد الجزرية ، مع تسليمه ولدي السلطان ليكون أتابكا لهما ، ومنذ ذلك الحين أطلق على زنكي لقب «أتابك» ، ثم ضم زنكي إلى إقطاعه مدينة حلب ، وغيرها من مدائن الشام.
وقد تسلم الملك الشهيد زنكي هذه البلاد في أصعب الأوقات وأحلكها ، حيث كان الفرنج النصارى يعيثون في بلاد الإسلام الشامية والجزرية الفساد ، واتخذوا فيها مملكة واسعة الأطراف تمتد من نواحي ماردين شمالا إلى عريش مصر ، وليس بيد المسلمين من مدن تلك الناحية سوى حلب ، وحمص ، وحماه ، ودمشق ، وكانت جميع البلاد الشامية والجزرية تتعرض لغاراتهم ، وفسادهم ، ونهبهم ، وقتلهم.
فقام الملك الشهيد زنكي بمحاربة الفرنجة والروم ، واشتبك معهم في وقائع شديدة ، واستعاد منهم الحصون المنيعة ، ومن أهمها «الرّها» ، وأعاد لمناطق المسلمين أمنها واستقرارها ، ثم توفي رحمه الله تعالى في سنة ٥٤١ بعد أن نشر العدل ، وبث الأمن ، وأرهب الأعداء. وتولى مكانه الملك ولداه الملك سيف الدين غازي في الموصل وبلاد الجزيرة ، والملك العادل نور الدين محمود في حلب ونواحيها ، وكانت دولة نور الدين من أعظم الدول حيث قامت بجهاد الفرنجة ، والاستيلاء على كثير من حصونهم في ديار الإسلام ، وأسر وقتل عدد من كبار ملوكهم حتى ذلوا ووهنت عزائمهم ، وخارت قواهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
وبعد موت سيف الدين غازي ملك البلاد الجزرية ، وخليفته من بعده أخيه قطب الدين مودود قام الملك العادل بضم الموصل وبلاد الجزيرة إليه ، وكذلك فعل بدمشق وغيرها من مدن الشام وذلك في سنة ٥٤٩ ولم يحمله على هذا