دانت لهم ملوك ما وراء النهر ، وبعض بلاد خراسان ، إلى أن استطاع علاء الدين محمد خوارزم شاه صاحب الدولة الخوارزمية استئصال تلك الأمة الباغية ، وعمل على ضم بلادهم إليه.
وكان جنكيز خان لعنه الله ـ بعد أن ثبّت أمر ملكه في الداخل ، وقضى على مناوئيه من التتار ، وأخضع معظم بلاد الصين ـ يرغب في التوجه غربا نحو بلاد الإسلام ليضمها إلى مملكته. وعجل بتحقيق هذه الرغبة ، قيام علاء الدين خوارزم شاه بقتل جماعة من تجار التتار ، وغزوه لبلادهم ، فسار جنكيز خان بجموعه إلى بلاد تركستان ، فأباد فيها أقوام التتار التي لا تخضع له ، ثم عبر نهر سيحون إلى بلاد الإسلام ، وعندها كانت الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى على المسلمين ، فقد فعل هذا الملك الملعون ، وخلفاؤه من بعده ، في ديار الإسلام من القتل ، والنهب ، والفساد ، والتخريب ما لم يسمع بمثله في قديم الأيام ، ولا ما تعاقب من الأزمان.
فلما عبر جنكيز خان نهر سيحون ، توجه في أواخر ٦١٦ إلى بخارى ، فحاصرها حصارا محكما ، وقاتلها قتالا شديدا ، حتى تمكن من دخولها ، ثم قتل جميع من كان بقلعتها ، وأمر جنده بنهب البلد ، وتخريبه ، حتى جعلوه هباء منثورا ، فأحرقوا مساجده ، ومدارسه ، ومكتباته ، وقتلوا معظم الرجال ، وسبوا النساء والذرية ، وفعلوا من الفحش ما لا يوصف. واستصحبوا معهم من بقي من رجال بخارى ليكونوا عونا لهم على أخذ سمرقند ـ وكانت هذه عادة التتار ، إذا غصبوا بلدة ، أمروا أهلها بمساعدتهم على دخول قلعتها ، أو دخول بلد آخر ـ وقد وصلوا إلى هذه المدينة العريقة المنيعة في المحرم من سنة ٦١٧ ودارت رحى الحرب بينهم وبين أهل سمرقند ، وجندها الذين يعدون بمئات الآلاف ، وبعد معارك شديدة يشيب من هولها الولدان استطاع التتار أن يدخلوا المدينة ، فأفنوا رجالها ، وسبوا النساء والذرية ، ونهبوا الأموال ، وأحرقوا المساجد والمدارس والمكتبات ، ولم ينج من أهل هذا البلد إلا النفر اليسير.