منا حديثا فحفظه حتى يبلّغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه» (١) ، وقال أيضا : «نضّر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمع ، فرب مبلّغ أوعى من سامع» (٢).
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضوان الله عليهم بتبليغ ما يتلقونه عنه إلى من خلفهم ، كيما يشيع العلم ، ويفيض الخير ، فقال عليه الصلاة والسلام في خطبته بعد الفتح بمكة : «وليبلّغ الشاهد الغائب» (٣) ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : «ليبلغ العلم الشاهد الغائب» (٤).
وقد حذر الله سبحانه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم من كتم العلم ، وحجبه ، فقال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٥).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» (٦).
فهذا الترهيب ، وذاك الترغيب كان لهما وقع شديد في نفوس أهل العلم ، فقد حملاهم على الاعتناء بتبليغ علوم الشريعة إلى الناس كافة ، وهم يرجون
__________________
(١) أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب العلم ، باب ١٠ ، حديث ٢ ؛ والترمذي في جامعه ، في كتاب العلم أيضا ، باب ٧ ، حديث ١ ـ واللفظ لهما ـ وابن ماجه في سننه ، في المقدمة باب ١٨ ، حديث ٢ و ٧.
(٢) أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب العلم ، باب ٧ ، حديث ٢.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب العلم ، باب ٣٧ ، حديث ١ ، مطولا.
(٤) هذا من معلقات البخاري في صحيحه التي جزم بها ، كتاب العلم ، باب ٣٧.
(٥) البقرة ١٥٩ ـ ١٦٠.
(٦) أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب العلم ، باب ٩ ، حديث ١ ـ واللفظ له ـ والترمذي في جامعه ، في كتاب العلم أيضا ، باب ٣ ، حديث ١ ، وابن ماجه في سننه ، في المقدمة ، باب ٢٤ ، حديث ١ ، ٤ ـ ٦.