لأنفسهم صفة النّضارة التي وعدوا بها ، ويخشون من لعنة الله ، ومن لجام النار يوم القيامة إن هم كتموا ما أمروا بتبليغه.
ومع هذا فلم ينسق العلماء في الرواية ، بل احتاطوا فيها كل حيطة ، خشية من التّقوّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، لأنهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : «من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» (١) ، وقوله أيضا : «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (٢) ، وقوله أيضا : «من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (٣).
وقد صرح بعض الصحابة بأنهم ما حدثوا حديثا لولا تلك الآيتان اللتان أوعدتا كاتم العلم ، وصرح بعضهم أيضا بأن الذي حملهم على التقليل من الرواية حديث من كذب عليّ ... وإليك إثبات ذلك : فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : «إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يتلو : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ـ إلى قوله ـ الرحيم» (٤).
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال : «قلت للزبير : إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان ، وفلان قال : أما إني
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب العلم ، باب ٣٨ ، حديث ٢ ـ واللفظ له ـ وحديث ٣ ؛ وفي كتاب الجنائز ، باب ٣٤ ، حديث ١ ؛ وفي كتاب الأنبياء ، باب ٥٠ ، حديث ٩ ؛ وفي كتاب الأدب ، باب ١٠٩ ، حديث ٤ ؛ ومسلم في صحيحه ، في المقدمة ، باب ٢ ، حديث ٢ ـ ٤ ؛ وفي كتاب الزهد ، باب ١٦ ، حديث ٢. وهذا الحديث متواتر ، وفي بعض روايات البخاري المذكورة زيادة «متعمدا» بعد قوله : «من كذب عليّ» ، كما أنها في جميع روايات مسلم المذكورة مع اختلاف الصيغة في بعض تلك الروايات.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب العلم ، باب ٣٨ ، حديث ٤.
(٣) أخرجه الترمذي في جامعه ، في كتاب العلم ، باب ٩ ، حديث ١ ؛ وابن ماجه في سننه ، في المقدمة ، باب ٥ ، حديث ١ و ٢ ـ واللفظ له فيهما ـ وحديث ٣ و ٤.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب العلم ، باب ٤٢ ، حديث ١.