الطويلة شعورهم ، رواد الآفاق ، وقطاع المسافات ، تارة بالعراق ، وتارة بالحجاز ، وتارة بالشام ، وتارة باليمن ، فهؤلاء نقلة الحديث» (١).
وقال محمد بن سلّام الجمحي : «قيل للمنصور : هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال : بقيت خصلة أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، يقول المستملي : من ذكرت رحمك الله قال : فغدا عليه الندماء ، وأبناء الوزراء بالمحابر ، والدفاتر ، فقال : لستم بهم ، إنما هم الدّنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، برد الآفاق ، ونقلة الحديث» (٢).
بل إن المنصور أوصى ابنه المهدي بتلقي الحديث ونقله ، ومجاورة أهله فقال : «يا بني لا تجلس مجلسا إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك ، فإن الزهري قال : علم الحديث ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال ، ولا يكرهه إلا مؤنثوهم ، وصدق أخو زهرة» (٣).
والمهدي بن المنصور روى الحديث ، وروي عنه.
وهارون الرشيد طلب العلم ، واهتم به قبل الخلافة ، وبعدها ، قال القاضي الفاضل في بعض رسائله : «ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد ، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله ... ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب إلى الإسكندرية ... ولا أعلم لهما ثالثا» (٤).
والمأمون طلب العلم من صغره ، وسمع الحديث من جماعة من الأئمة ، وكان أعلم خلفاء بني العباس ، فصيحا ، فقيها ، بارعا في العربية ، وأيام الناس ، وعني بعلوم الأوائل ، وكانت عنده حافظة قوية مستحضرة ، فقد قال
__________________
(١) البداية والنهاية ١٠ / ١٢٦.
(٢) تاريخ الخلفاء ١٧٧.
(٣) البداية والنهاية ١٠ / ١٢٦.
(٤) تاريخ الخلفاء ١٩٥.