محمد بن المنذر الكندي : «حج الرشيد فدخل الكوفة ، فطلب المحدثين فلم يتخلف إلا عبد الله بن إدريس ، وعيسى بن يونس ، فبعث إليهما الأمين والمأمون فحدثهما ابن إدريس بمئة حديث ، فقال المأمون : يا عم ، أتأذن لي أن أعيدها من حفظي؟ قال : افعل ، فأعادها ، فعجب من حفظه» (١).
وقال الخطيب : «كان المأمون أعظم خلفاء بني العباس عناية بالحديث ، كثير المذاكرة به ، شديد الشهوة لروايته ، مع أنه قد حدث أحاديث كثيرة لمن كان يأنس به من خاصته ، وكان يحب إملاء الحديث في مجلس عام يحضر سماعه كل أحد ، فكان يدافع نفسه بذلك حتى عزم على فعله ـ ثم ساق الخطيب بسنده إلى ـ يحيى بن أكثم القاضي قال : «قال لي المأمون يوما : يا يحيى أريد أن أحدث ، فقلت : ومن أولى بهذا الحديث من أمير المؤمنين؟! فقال : ضعوا لي منبرا بالحلبة ، فصعد وحدث ، فأول حديث حدثنا به عن هشيم ، عن أبي الجهم ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ، ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثا ، ثم نزل فقال : يا يحيى كيف رأيت مجلسنا؟ فقلت : أجل مجلس يا أمير المؤمنين تفقه الخاص والعام ، فقال : لا ، وحياتك ما رأيت لكم حلاوة ، وإنما المجلس لأصحاب الخلقان ، والمحابر ـ يعني أصحاب الحديث» (٢).
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : «لما فتح المأمون مصر ، قال له قائل : الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي كفاك أمر عدوك ، وأدان لك العراقين ، والشامات ، ومصر ، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : ويحك إلا أنه بقيت لي خلّة وهو أن أجلس في مجلس ويستملي يحيى فيقول لي : من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول ـ وساق الحديث» (٣).
__________________
(١) تاريخ الخلفاء ٢١٧.
(٢) شرف أصحاب الحديث ١٠١.
(٣) تاريخ الخلفاء ٢٢٠.