يستغنون عن المكتبات ، أو عن الاعتماد على الكتب ، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ عقب ذكره لتراجم حفاظ الطبقة الرابعة الذين شرع في عهدهم بتدوين السنن ، وجمع الفروع ، وتصنيف العربية : «ثم كثر ذلك ـ (أي التصنيف) ـ في أيام الرشيد ، وكثرت التصانيف ، وألّفوا في اللغات ، وأخذ حفظ العلماء ينقص ، ودوّنت الكتب ، واتكلوا عليها ، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور فهي كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم» (١).
وسأقوم في هذا المبحث إن شاء الله تعالى بإلقاء الضوء على تلك الجهود الخيّرة التي قام بها حكام المسلمين ، وعلماؤهم ، خدمة للعلم وأهله ، ورغبة في نشره وإذاعته.
ولا يخفى ما في هذا الموضوع من سعة ، وتشعب ، يضطران الباحث فيه إلى جعله أقساما أو فصولا تمنع من التداخل ، وتساعد على التنظيم والترتيب.
والتقسيم الذي يتناسب مع ما سبق من بحوث هذه المقدمة هو تنظيم المعلومات الواردة في هذا المبحث على الدول الإسلامية في المشرق ، وفي الشام ومصر ، وفي المغرب والأندلس.
(١) دول المشرق :
وأبدأ بذكر اهتمام الخلفاء بإنشاء المراكز العلمية ، وأتبعه ببيان اهتمام الملوك والسلاطين ، ثم الوزراء والأمراء والكبراء ، ثم العلماء بهذا الأمر.
(أ) حرص الخلفاء على تشييد المراكز العلمية : لقد شهدت مدينة السلام (بغداد) منذ تأسيسها تقدما حضاريا ، ونهضة علمية رفيعة ، فكانت منارة ، وقبسا لذوي النّهى والألباب ، ولم يكن ذلك متحققا لولا عناية الخلفاء بالعلوم ، وارتشافهم من معينها العذب ، وتطلعهم إلى نشرها بكل وسيلة نبيلة ،
__________________
(١) ١ / ١٦٠.