كما كان للخليفة المستنصر بالله خزانة كتب خاصة غير الخزانة العظيمة ، العديمة المثل التي وقفها (١) على المدرسة المستنصرية ، وقد بنى المستنصر هذه المدرسة العظيمة الجامعة سنة ٦٣١ ، ووقف عليها أوقافا عظيمة جدا ، وجعل فيها دروسا في الفقه على المذاهب الأربعة ، وهو أول من ابتكر هذه الفكرة ، كما جعل فيها دورا للقرآن ، والحديث ، والعربية ، والفرائض ، والطب ، والرياضة.
وكان لآخر خلفاء العباسيين في بغداد ، وهو المستعصم بالله الشهيد خزانتان عظيمتان من الكتب ، وقد بنى مدرسة للحنابلة ببغداد.
(ب) عناية ملوك وسلاطين المشرق ببناء المراكز العلمية : عرفت المكتبات في المشرق منذ زمن بعيد ، أما المدارس فقد حدثت في وقت متأخر عنها ، وكان أهل المشرق أول من حفظ عنهم بناء المدارس ، قال المقريزي : «والمدارس مما حدث في الإسلام ، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين ، وإنما حدث عملها بعد الأربع مئة من سني الهجرة ، وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور ، فبنيت بها المدرسة البيهقية ، وبنى بها أيضا الأمير نصر بن سبكتكين مدرسة ، وبنى بها أخو السلطان محمود بن سبكتكين مدرسة ، وبني بها أيضا المدرسة السعيدية ، وبني بها أيضا مدرسة رابعة ، وأشهر ما بني في القديم المدرسة النّظامية ببغداد» (٢).
ففي بلاد ما وراء النهر أنشأ نوح بن نصر صاحب الدولة السامانية مكتبة كبيرة ببخارى ، كانت من عجائب مكتبات الدنيا ، وكانت بخارى في عهد السامانيين أعظم المراكز العلمية في المشرق الإسلامي الأقصى.
__________________
(١) كان المستنصر من أشد الخلفاء رغبة في جمع الكتب ، ووقفها ، حتى بيعت كتب العلم في زمنه بأغلى الأثمان.
(٢) المواعظ والاعتبار ٢ / ٣٦٣ ، وانظر : علماء النّظاميات ومدارس المشرق الإسلامي ٤ ـ ٥.