ثمّ إنّه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه واختيار عدم التداخل في الأوّل والتداخل في الثاني (١) ، إلّا توهّم عدم صحّة التعلّق (٢) بعموم اللفظ في الثاني ، لأنّه من أسماء الأجناس (٣) ، فمع تعدّد أفراد شرط واحد لم يوجد إلّا السبب الواحد ؛ بخلاف الأوّل ، لكون كلّ منها سببا ، فلا وجه لتداخلها.
وهو (٤) فاسد ، فإنّ قضيّة إطلاق الشرط في مثل «إذا بلت فتوضّأ» هو حدوث الوجوب عند كلّ مرّة لو بال مرّات ، وإلّا فالأجناس المختلفة لا بدّ من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرّت إليه الإشارة (٥) من أنّ الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد.
هذا كلّه فيما كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدّد ، وأمّا ما لا يكون قابلا لذلك (٦) فلا بدّ من تداخل الأسباب فيما لا يتأكّد المسبّب ومن التداخل فيه فيما يتأكّد(٧).
__________________
(١) هذا التفصيل ذهب إليه ابن إدريس الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٨.
(٢) أي : عدم صحّة الاستدلال بالعموم لإثبات الجزاء لكلّ فرد.
(٣) وأسماء الأجناس قد وضعت لنفس الطبيعة المهملة الّتي لا تدلّ على العموم ، بل إنّما تدلّ على أنّ صرف الوجود من الطبيعة موضوعا للحكم.
(٤) أي : التوهّم.
(٥) راجع الصفحة ١١١ ـ ١١٢ هذا الجزء.
(٦) والأولى أن يقول : «وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد».
(٧) والحاصل : أنّ محلّ النزاع في تداخل الأسباب أو المسبّبات إنّما هو فيما إذا كان الجزاء قابلا للتعدّد ، كالوضوء بناء على إمكان تعدّده ، لأنّ الوضوء على الوضوء نور على نور ، وكالغسل بناء على تعدّد حقائق الأغسال.
وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد فلا بدّ من تداخل الأسباب فيما لا يتأكّد المسبّب ، كطهارة الشيء ، فإنّها لا يتأكّد ، بداهة أنّه إذا غسل الثوب المتنجّس في الماء الكرّ وطهر فلا أثر لغسله ثانيا في الماء الجاري ، ولا يوجب ذلك تأكّد طهارته.
وأمّا إذا كان المسبّب قابلا للتأكّد فلا بدّ من تداخل المسبّبات ، مثل وجوب قتل شخص للقصاص والارتداد ، فيتأكّد وجوب القتل.