ويقبل ضرار بن الخطّاب ـ يعني يوم أحد ـ فارسا يجر قناة له طويلة ، فيطعن عمرو بن معاذ فأنفذه ، ويمشي عمرو إليه حتى غلب ، فوقع لوجهه ، يقول ضرار : لا تعدمنّ رجلا زوّجك من الحور العين ، وكان يقول : زوّجت عشرة من أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قال ابن واقد : سألت ابن جعفر : هل قتل عشرة؟ فقال : لم يبلغنا أنه قتل إلّا ثلاثة ، وقد ضرب يومئذ عمر بن الخطّاب حيث جال المسلمون تلك الجولة بالقناة ، قال : يا ابن الخطّاب إنّها نعمة مشكورة ، والله ما كنت لأقتلك.
وكان ضرار بن الخطّاب يحدّث ويذكر وقعة أحد ، ويذكر الأنصار فيترحم عليهم ، ويذكر غناءهم في الإسلام وشجاعتهم ، وتقدّمهم على الموت ، ثم يقول : لما قتل أشراف قومي ببدر جعلت أقول : من قتل أبا الحكم؟ فيقال : ابن عفراء ، من قتل أمية بن خلف؟ يقال : خبيب (١) بن يساف ، من قتل عقبة بن أبي معيط؟ قالوا : عاصم بن ثابت بن (٢) الأقلح؟ من قتل فلانا فيسمّى لي ، من أسر فلانا ـ أي سهيل بن عمرو ـ؟ قالوا : مالك بن الدخشم ، فلما خرجنا إلى أحد وأنا أقول : إن أقاموا في صياصيهم فهي منيعة ، لا سبيل لنا إليهم ، نقيم أياما ، ثم ننصرف ، وإن خرجوا إلينا من صياصيهم أصبنا [منهم] معنا عدد كثير أكثر من عددهم ، وقوم موتورون خرجنا بالظعن يذكّرننا قتلى بدر ، ومعنا كراع ولا كراع معهم ، معنا سلاح ولا سلاح معهم (٣) ، فقضي لهم أن خرجوا ، فالتقينا ، فو الله ما قمنا لهم حتى هزمنا وانكشفنا مولّين ، فقلت في نفسي : هذه أشد من وقعة بدر ، وجعلت أقول لخالد بن الوليد : كرّ على القوم ، فجعل يقول : وترى (٤) وجها نكر فيه؟ حتى نظرت إلى الجبل الذي كان عليه الرماة خاليا ، فقلت : أبا سليمان انظر وراءك ، فعطف عنان فرسه ، فكرّ وأنا معه ، فانتهينا إلى الجبل ، فلم نجد عليه أحدا له بال ، وجدنا نفيرا فأصبناهم ، ثم دخلنا العسكر والقوم غارّون ينتهبون العسكر ، فأقحمنا الخيل عليهم ، فتطايروا في كلّ وجه ، ووضعنا السّيوف فيهم حيث شئنا ، وجعلت أطلب الأكابر من الأوس والخزرج ، قتلة الأحبة فلا أرى أحدا ، قد هربوا ، فما كان حلب ناقة حتى تداعت الأنصار بينها ، فأقبلوا فخالطونا ونحن فرسان ، فصبروا لنا وبذلوا أنفسهم
__________________
(١) عن الواقدي وبالأصل : حبيب.
(٢) في الواقدي : «بن أبي الأقلح» وبالأصل : الأفلح.
(٣) في الواقدي : ومعنا سلاح أكثر من سلاحهم.
(٤) بالأصل : «وتروي» والمثبت عن الواقدي.