وصاحوا : ظهر الدين الصحيح دين المسيح. فلما انتصر المسلمون على هولاكو على عين جالوت بين بيسان ونابلس وقتل مقدمهم كتبغا جاء الخبر إلى دمشق في الليل فوقع النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيستهم العظمى. وقال أبو الفداء : إن النصارى استطالوا بدمشق على المسلمين بدق النواقيس وإدخال الخمر إلى الجامع. قال في المذيل : إن النصارى بدمشق قد شمخوا بسبب دولة التتر وتردد ايل شبان وغيره من كبارهم إلى كنائسهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاء من عنده بفرمان لهم اعتناء منهم وتوجه في حقهم ، ودخلوا به البلد من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بارتقاء دينهم دون دينالإسلام ، ويرشون الخمر على الناس بأبواب المساجد ، فركب المسلمين من ذلك همّ عظيم ، فلما هرب التتر من دمشق أصبح الناس إلى دور النصارى ينهبونها ويخربون ما استطاعوا فيها وخربوا كنيسة اليعاقبة وأخربوا كنيسة مريم حتى بقيت كوما والحيطان حولها تعمل النار في أخشابها ، وقتل منهم جماعة واختفى الباقون وجرى عليهم أمر عظيم اشتفى به بعض الاشتفاء صدور المسلمين ، ثم هموا بنهب اليهود فنهب قليل منهم ثم كفوا عنهم لأنهم لم يصدر منهم ما صدر من النصارى اه.
اجتمعت العساكر الإسلامية بمصر هربا من التتر ، فلما انتظمت أحوالهم واستجمعوا قواهم عزم المظفر قطز مملوك المعز أيبك على الخروج إلى الشام لقتال التتر ، وسار معه صاحب حماة المنصور وأخوه الأفضل علي حتى التقى مع التتر في الغور ، وكان كتبغا نائب هولاكو على الشام ومعه صاحب الصبيبة الملك السعيد فانهزم التتر هزيمة قبيحة على عين الجالوت وقتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابنه وتفرقوا في الأرجاء ومنهم من قصد الشرق فأفناهم المسلمون ، وجرد قطز ركن الدين بيبرس في أثرهم فتبعهم إلى أطراف الأصقاع الشرقية ، وكان في صحبة التتر الملك الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وطلب الأمان من المظفر قطز فأمنه ، وأقره على ما بيده وهو حمص ومضافاتها ، وأسرا صاحب الصبيبة وضربت عنقه ، وأقر المنصور على حماة وبارين والمعرة وأخذ منه سلمية وأعطاها أمير العرب ، ودخل دمشق فتضاعف شكر المسلمين على هذا النصر العظيم ، فإن القلوب كانت قد يئست من النصرة على التتر