سنة (٥٣٣) سار من مصر عسكر إلى وادي موسى فحاصر حصن الوعيرة ثمانية أيام ، وعاد بعد ما توجه إلى الشوبك وأغار عليها وترك هناك أميرين على الحصار. وتزوج عماد الدين أم شهاب الدين محمود صاحب دمشق زمرد خاتون بنت جاولي وهي التي قتلت ابنها شمس الملوك إسماعيل وذلك طمعا من عماد الدين في الاستيلاء على دمشق لما رأى من نفوذ هذه المرأة في الدولة. وكثيرا ما كانت الكلمة النافذة للنساء من آل بيت الدولة والغيرة الصادقة في وقايتها من السقوط.
وكان متملك الروم خرج في السنة الفائتة واشتغل بقتال الأرمن وصاحب أنطاكية وغيره من الفرنج وعمر ميناء الإسكندرونة ثم سار إلى بزاعة وملكها وغدر بأهلها ثم رحل عنها إلى حلب ، فجرى بينه وبين أهلها قتال كثير فعاد عنها إلى الأثارب وملكها وسار نحو شيزر وحاصرها أربعة وعشرين يوما فأنجدها عماد الدين حتى اضطر متملك الروم إلى الرحيل فظفر عماد الدين بكثير ممن تخلف منهم. وكان يرسل إلى ملك الروم يوهمه بأن فرنج الشام خائفون منه ، فلو فارق مكانه تخلفوا عنه ، ويرسل إلى فرنج الشام يخوفهم من ملك الروم ويقول لهم : إن ملك بالشام حصنا واحدا ملك بلادكم جميعا ، فاستشعر كل من صاحبه فرحل ملك الروم عنها. ونهض هذه السنة الأمير بزواج في فريق وافر من العسكر الدمشقي والتركمان إلى ناحية طرابلس فظهر إليه قومصها والتقيا فكسره بزواج وقتل منهم جماعة وافرة وملك حصن وادي ابن الأحمر وغيره. ونهض ابن صلاح والي حماة في رجاله إلى حصن الخربة فملكه.
قويت دولة عماد الدين زنكي بعد استيلائه على حلب وحماة وحمص والمعرة وكفرطاب وبعلبك وغيرها ، وإفحاشه القتل في الفرنج واستيلائه على بعض معاقلهم ، فلم يسع شهاب الدين محمودا صاحب دمشق إلا مهادنته على قاعدة أحكمت بينهما ، وأصبح القول الفصل لعماد الدين دون شهاب الدين في شؤون الشام. أما الفرنج في أنطاكية فلما ارتاح بالهم من جهة ملك الروم وصالحوه على ما اشترط ، عادوا هذه السنة فنقضوا الهدنة مع عماد الدين وقبضوا في أنطاكية على خمسمائة رجل من تجار المسلمين وأهل حلب والسفار.
وبينا كان عماد الدين يدبر ويفكر ويهتم لأخذ دمشق نعى الناعي (٥٣٣) شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري ، قتله غلمانه في فراشه فتولى بعده أخوه جمال