تخلفوا في دمشق ولما أصبحوا وقد فقدوا السلطان والأمراء والنائب غلقوا أبواب المدينة ، وركبوا الأسوار ونادوا بالجهاد ، فتهيأ أهل دمشق للقتال وزحف عليهم تيمور لنك بعساكره فقاتل الدمشقيون من أعلى السور أشد قتال ، وردوهم عن السور والخندق ، وأسروا منهم جماعة ممن اقتحم باب دمشق ، وأخذوا من خيولهم عدة كبيرة وقتلوا منهم نحو الألف وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة ، ولما أعيا تيمور أمرهم جعل يخادعهم فأرسل يريد الصلح.
وطلب تيمور الطقزات أي التسعة الأصناف من المأكول والمشروب والملبوس وغيره وهذه كانت عادته في كل بلد يفتحه صلحا. فأجابه الدمشقيون إلى ما طلب بإقناع ابن مفلح لهم ، وتقرر أن يجبي تيمور من دمشق ألف ألف دينار ففرض على الناس فقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم ، فلم يرض تيمور وقال : إن المطلوب بحساب له عشرة آلاف ألف دينار أو ألف تومان والتومان عشرة آلاف دينار من الذهب. قال ابن حجر : واستقر الصلح على ألف ألف دينار فتوزعت على أهل البلد ثم رجع تيمور فتسخطها وقال : إنه طلب ألف تومان فنزل بالناس باستخراج هذا منهم ثانيا بلاء عظيم ، ولما أخذه ابن مفلح وحمله إلى تيمور قال هذا لابن مفلح وأصحابه : هذا المال لحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف دينار وقد بقي عليكم سبعة آلاف دينار (؟) وظهر لي أنكم عجزتم ، ثم سلمت أموال المصريين وكراعهم وسلاحهم وأموال الذين هربوا من دمشق ، ولما كمل ذلك ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح فأخرجوه ، فلما فرغ من ذلك ، قبض على ابن مفلح ورفقته وألزمهم أن يكتبو له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها ، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه ، ففرقه على أمرائه وقسم البلد بينهم فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم ، ونزل كل أمير في قسمه وطلب من فيه وطالبهم بالأموال فحينئذ حلّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف ، وجرى عليهم من أنواع العذاب وهتك الأعراض شيء تقشعر منه الجلود ، واستمر هذا البلاء تسعة عشر يوما فهلك في هذه المدة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم ، ثم أمر أمراءه فدخلوا دمشق ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة ، فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدور وغيرها ، وسبوا نساء دمشق بأجمعهن ، وساقوا الأولاد والرجال