وتركوا من الصغار من عمره خمس سنين فما دونها ، وساقوا الجميع مربوطين في الحبال ، ثم طرحوا النار في المنازل والدور والمساجد ، وكان يوما عاصف الريح فعم الحريق جميع البلد حتى كاد لهيب النار أن يرتفع إلى السحاب ، وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها ، ثم رحل تيمور عنها بعد أن أقام ثمانين يوما وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق وزالت أبوابه وتقطر رخامه ولم يبق غير جدره قائمة ، وذهبت مساجد دمشق ودورها وقياسرها وحماماتها وصارت أطلالا بالية ورسوما خالية ولم يبق بها إلا أطفال. قال ابن تغري بردي : ولقد ترك المصريون دمشق أكلة لتيمور ، وكانت يوم ذاك أحسن مدن الدنيا وأعمرها.
قال بهاء الدين البهائي يرثي دمشق المظلومة ويصف ما حلّ بها من التتر في سنة ثلاث وثمانمائة ويذكر حلب وحماة :
لهفي على تلك البروج وحسنها |
|
حفت بهن طوارق الحدثان |
لهفي على وادي دمشق ولطفه |
|
وتبدل الغزلان بالثيران |
وشكا الحريق فؤادها لما رأت |
|
نور المنازل أبدلت بدخان |
جناتها في الماء منها أضرمت |
|
فعجبت للجنات في النيران |
كانت معاصم نهرها فضية |
|
والآن صرن كذائب العقيان |
ما ذاك إلا تركهم ولجت بها |
|
فتخضبت منها بأحمر قان |
كرهت جداولها حوافر خيلهم |
|
فتسابقت هربا كخيل رهان |
خافت خدود الأرض من أفعالهم |
|
فتلثمت بعوارض الريحان |
لو عاينت عيناك جامع تنكز |
|
والبركتين بحسنها الفتان |
وتعطش المرجين من أورادها |
|
وتهدم المحراب والإيوان |
لأتت جفونك بالدموع ملونا |
|
دمعا حكى اللولو على المرجان |
قطرات جفن ترجمت عن حرقتي |
|
فكأنهن قلائد العقيان |
أبني أمية أين يمن وليدكم |
|
والمغل تفتل في ذرى الأركان |
شربوا الخمور بصحنه حتى انتشوا |
|
ألقوا عرابدهم على النسوان |