وهو ممن حالوا بتدبيرهم دون سقوط الدولة العثمانية. قال أبو الفاروق : ولا غرو فقد توجد الدرة النفيسة بين الكناسات والقمامات.
ولم يكتف السلطان بما كان يقدم له من النساء بل كان يطوف العاصمة وضواحيها ، فإذا رأى من أعجبته وتردد وليها في إرسالها يلقى جزاءه في الحال ، وبلغ السلطان مرة أن امرأة ايبشر مصطفى باشا في جهات سيواس على غاية من الجمال ، فأرسل إلى واردار علي باشا ثلاثين ألف ليرة ليبعث إليه بزوجة مصطفى باشا فنفر علي باشا من اقتراح سلطانه وأجاب بالرفض ، فقرر السلطان إهلاكه ، ولكن علي باشا رفع راية العصيان وجعل عالي الأناضول سافلها ، وقرر السلطان أن يأتي بزوجة ايبشر مصطفى باشا ويعريها ويجعلها في أحد الشوارع المهمة بين عمودين يربط إليهما رجلاها ويداها ويطلق للعامة والعسكر أن يلمسوها حتى تموت ، فلم يقنع السلطان أصحابه بالرجوع عن هذا العمل البشع إلا بعد اللتيا والتي.
وقرر هذا السلطان الأخرق يوما أن يقتل النصارى بأسرهم في مملكته فاحتال عليه شيخ الإسلام قائلا : إن في قتلهم نقص واردات السلطنة ، وإن مئتي ألف إنسان إذا قتلوا في العاصمة تخف الجباية لا محالة ، وبهذا استرجعوا من هذا المعتوه الفاجر إرادته المختلة وهكذا حتى خلع وقتل سنة (١٠٥٨) بعد سلطنة ثمان سنين وتسعة أشهر. وقد قتل عدة من رجاله وقتل الصدر الأعظم مرة لأنه بعث في طلبه لتدارك حطب للقصر فقال له الوزير : إن هذا الطلب ليس من الأمور المهمة التي يفكر فيها من يفكر في أمور السلطنة فمثّل به في الحال ولم يجرأ بعدها على تولي الصدارة إلا من كان على جانب من الرياء والنفاق ليرضي السلطان.
وذكر مؤرخو الترك أن سلطان زاده محمد باشا الذي تولى الصدارة على عهد السلطان إبراهيم ثلاث سنين خرب خلالها في جسم الدولة ما لا يقع مثله في ثلاثة قرون ، وبلغ من ريائه مع سلطانه ما لم يوفق إليه أحد ، وجاءه أمر من السلطان ذات يوم يقول فيه : إن الخزينة نضبت أموالها ولا بد أن يسترجع ما أهداه أجداده السلاطين إلى حرمي مكة والمدينة من المجوهرات ليسد العجز فقال الصدر الأعظم على دهائه وريائه وهو يقرأ هذه الإرادة السلطانية :