صاحب تل باشر وملك قلاعه وهي تل باشر ـ وكان الأمير حسان المنبجي قد فتحها باسم نور الدين وهو على أبواب دمشق (٥٤٦) ـ وعينتاب ودلوك ـ وكان القتال على هذه شديدا جدا ـ وعزاز وتل خالد وقورس والراوندان وبرج الرصاص وحصن البارة وكفر سود وحصن بسر فوت بجبل بني عليم وكفرلاثا ومرعش ونهر الجوز وذلك في أيام يسيرة. وهذا الفتح والفتح الذي تم على يده في السنة الفائتة (٥٤٥) من تسلم قلعة أفامية جعل نور الدين صاحب الشام. وكان جوسلين فارس الفرنج غير مدافع قد جمع الشجاعة والرأي ، سار في عسكره نحو نور الدين فالتقوا واقتتلوا وانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر جمع كثير ، وكان في جملتهم سلاحدار نور الدين فسيره إلى الملك مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية وأقصرا وقال له : هذا سلاحدار زوج ابنتك وسيأتيك بعده ما هو أعظم منه.
فلما علم نور الدين الحال عظم ذلك عليه وأعمل الحيلة على جوسلين وهجر الراحة ليأخذ ثأره. وأحضر جماعة من الأمراء التركمان وبذل لهم الرغائب إن هم ظفروا بجوسلين وسلموه إليه لأنه علم بعجزه عنه في القتال فيما قيل ، فجعل التركمان عليه العيون فخرج متصيدا فظفر به طائفة منهم وحملوه إلى نور الدين أسيرا. وقال ابن الأثير : وعظمت على الفرنج المصيبة بأسر جوسلين ، وخلت بلادهم من حاميها وثغورهم من حافظها ، وسهل أمرهم على المسلمين بعده ، وكان جوسلين كثير الغدر والمكر ، لا يقف على يمين ولا يفي بعهد ، طالما صالحه نور الدين وهادنه ، فإذا أمن جانبه بالعهود والمواثيق نكث وغدر ، فلقيه غدره ، وحاق به مكره ، ولا يحيق المكر السيئى إلا بأهله. فلما أسر تيسر فتح كثير من بلاد الفرنج وقلاعهم. وعني نور الدين بتجهيز ما فتح من الحصون بالميرة والسلاح ، وكان كلما فتح حصنا نقل إليه من كل ما تحتاج إليه الحصون خوفا من نكثة تلحق المسلمين من الفرنج فتكون بلادهم غير محتاجة إلى ما يمنعها من العدو. وكان نور الدين وأبوه إذا فتحا قلعة جعلا فيها من المؤنة والذخائر ما يكفيها عشر سنين.
وأغار هذه السنة فريق وافر من التركمان على ظاهر بيسان فقتلوا من الفرنج وأسروا ولم يفلت منهم غير الوالي ونفر يسير. وقصد الفرنج ناحية البقاع فاستباحوا عدة وافرة من الضياع من رجال ونسوان وشيوخ وأطفال فلحقهم صاحب بعلبك واسترجع منهم بعض ما أخذوا وعادوا على أقبح صفة من الخذلان.